الحمد لله.
أولا:
لا يصح بيع الدين لغير من هو عليه (أي لغير المدين)، عند جمهور الفقهاء. وينظر: الموسوعة الفقهية (21/ 131).
وعلة منع بيع الدين لغير المدين أمران:
الأول: عدم القدرة على التسليم، ومن شرط صحة البيع: القدرة على تسليم المبيع. فإن لم يكن البائع قادرا على تسليم المبيع : كان هذا من بيع الغرر، وهو منهي عنه.
قال في شرح منتهى الإرادات ( : " و (لا) يصح بيع دينٍ مطلقا (لغيره) أي غير من هو عليه; لأنه غير قادر على تسليمه، أشبه الآبق" انتهى.
وصاحبك قد باع الدين الذي له عليك، وهو غير قادر على تسليم هذا المبيع للشركة، كما هو واقع سؤالك، فإن الشركة غير قادرة على تحصيل الدين منك.
والثاني: أن الدين إذا كان من الأصناف التي يجري فيها الربا، كالنقود ، وبيع بجنسه متفاضلا متأخرا : كان ذلك عقدا ربويا ، يجتمع فيه ربا الفضل ، وربا النسيئة.
فكأن الشركة هنا تقرض الدائن مبلغا، على أن تسترد أكثر منه.
ولهذا جاء في قرار: مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة بشأن موضوع بيع الدين:
" ثانيًا: من صور بيع الدين غير الجائزة:
أ- بيع الدين للمدين بثمن مؤجل أكثر من مقدار الدين؛ لأنه صورة من صور الربا، وهو ممنوع شرعًا، وهو ما يطلق عليه (جدولة الدين) .
ب- بيع الدين لغير المدين بثمن مؤجل من جنسه، أو من غير جنسه؛ لأنها من صور بيع الكالئ بالكالئ (أي الدين بالدين) الممنوع شرعًا.
ثالثًا: بعض التطبيقات المعاصرة في التصرف في الديون:
أ- لا يجوز حسم الأوراق التجارية (الشيكات، السندات الإذنية، الكمبيالات) ؛ لما فيه من بيع الدين لغير المدين على وجه يشتمل على الربا" انتهى.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
" ثالثاً : إن حسم (خصم) الأوراق التجارية غير جائز شرعاً، لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم " انتهى من مجلة مجمع الفقه (العدد السابع ج 2 ص9).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/333) : " هل بيع الشيكات أو الكمبيالات حلال ولو كان بالخسارة ، أي أقل من الثمن المكتوب؟
الجواب : بيع الشيكات على الكيفية المذكورة : لا يجوز؛ لما فيه من ربا النسأ وربا الفضل " انتهى.
ثانيا:
الواجب عليك ، من حيث الأصل : إنما هو سداد الدين كاملا لصاحبك، وهو يتولى التعامل مع الشركة.
ولا تبرأ من الدين بما ذكر صاحبك أنه لن يطالبك به؛ فليس هذا إبراء أو تنازلا حقيقيا، بل هو في الحقية خبر- لا إنشاء- بني على ظنه الخاطئ ، وتعامله المحرم، ومن قواعد الفقه: " لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ" وينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي، ص157
ويستأنس هنا بما ذكره الفقهاء في نظائره.
قال في تحفة المحتاج (5/ 256) : " ( فرع ) مات مدين فسأل وارثه دائنه أن يبرئه ويكون ضامنا لما عليه، فأبرأه على ظن صحة الضمان وأن الدين انتقل إلى ذمة الضامن: لم يصح الإبراء؛ لأنه بناه على ظن انتقاله للضامن ، ولم ينتقل إليه، لأن الضمان بشرط براءة الأصيل : باطل " انتهى.
وعلى ذلك ؛ فالدين باق في ذمتك، ويحرم عليك جحده ، أو المماطلة في سداده ، وأنت تقدر .
فإذا كان الدائن الأصلي : قد أحال الشركة عليك ، بحقه عندك ، وباعها دينه الذي في ذمتك : فإن تحريم هذه المعاملة : إنما هو فيما بين الدائن والشركة ، ولا يعني ذلك أن ذمتك قد برأت منه .
وحيث أبى هو أن يأخذ دينه منك ، فالظاهر أنه يلزمك أن تعطيه للشركة التي وكلها في قبضه ، أو أحالها عليك ، مقابل ما أخذه منها .
فإذا أمكنك أن تسدد لها أصل الدين ، وتأمن من مطالبتها لك ، أو ملاحقتك قانونيا : فهذا هو الوجب عليك .
وإن أبت الشركة إلا أن تأخذ المبلغ كاملا ، مع زيادته الربوية : لم يلزمك ذلك ، إلا أن تخشى على نفسك ضرر الملاحقة القانونية ، فتدفعه مضطرا .
فإن لم تتمكن من رد الدين الذي في ذمتك ، لا لصاحبه الأصلي ، لامتناعه عن قبوله ، وإحالته لك على الشركة ، ولا للشركة ، إن أبت ألا تستلم شيئا من الدين ، إلا مع زيادته الربوية = فلو تصدقت بأصل الدين ، عن صاحب الحق : فهو حسن ، إن شاء الله ، ونرجو أن تبرأ ذمتك به، حيث تعذر رد الدين اللازم لك ، لمستحقه .
والله أعلم.