الحمد لله.
أولا:
الصورة المذكورة تدخل فيما يسميه الفقهاء : بيع الوفاء أو الأمانة، وهو أن يبيع الإنسان شيئا مما يصلح للبقاء مدة، على أنه إن جاء بالثمن استرد المبيع .
وهو بيع باطل عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومتقدمي الحنفية؛ لأن شرط استرداد المبيع ينافي مقتضى العقد ، وهو تملك المشتري للسلعة ملكا مؤبدا، ولأن هذا يُتخذ حيلة على الربا.
وبيان ذلك في صورة السؤال أن البائع محتاج إلى المال ، فيعطي المصنع لوالدك ليستعمله ثلاث سنوات، ثم يرد المال ويأخذ مصنعه، فهو في الحقيقة قرض ربوي، الفائدة فيه هي الانتفاع بالمصنع، إضافة إلى 17 ألف دولار شهريا يأخذها والدك.
وبيع الوفاء يسميه المالكية " بيع الثُّنْيا "، والشافعية " بيع العُهْدة "، والحنابلة " بيع الأمانة "، ويسمى أيضا " بيع الطاعة " و" وبيع الجائز " ، وسمي في بعض كتب الحنفية "بيع المعاملة". وينظر: الموسوعة الفقهية (9/ 260).
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7 - 12 ذي القعدة 1412 هـ الموافق 9 - 14 أيار (مايو) 1992 م، بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (بيع الوفاء) ، وبعد الاستماع للمناقشات التي دارت حول بيع الوفاء ، وحقيقته: " بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع" ، قرر ما يلي :
" أولا: أن حقيقة هذا البيع : (قرض جر نفعا) ؛ فهو تحايل على الربا، وبعدم صحته قال جمهور العلماء.
ثانيا: يرى المجمع أن هذا العقد غير جائز شرعا" انتهى من مجلة المجمع (ع 7، ج 3 ص 9).
ثانيا:
الواجب رد المصنع إلى صاحبه، وأخذ والدك ما دفع من مال، ورد ما أخذ من الأجرة الشهرية؛ وذلك لعدم صحة البيع ، أو يخصم من جملة الدين الذي لوالدك عليه .
قال في "مطالب أولي النهى" (3/ 4) :
" ( وقال الشيخ ) تقي الدين : ( بيع الأمانة المضمونة ) على القابض هو ( اتفاقهما ) ; أي المتعاقدين ( على أن البائع إذا جاء المشتريَ بالثمن أعاد عليه ) ; أي على البائع ( ملكَه ) المأخوذَ منه ( ينتفع به ) ; أي : بالبيع ( مشترٍ ؛ بإجارة وسكن ونحوه ) ; كركوب ما يركب ، وحلب ما يحلب .
( وهو ) - عقد البيع على هذه الكيفية - : ( باطل بكل حال ، ومقصودهما ) ; أي : المتبايعين ( إنما هو الربا ، بإعطاء دراهم بدراهم لأجل ، ومنفعة الدار ربح ); فهو في المعنى قرض بعوض.
والواجب رد المبيع إلى البائع ، ورد البائع إلى المشتري ما قبضه منه ثمنا عن المبيع .
لكن يحسب للبائع منه ما قبضه المشتري من المال الذي سمَّيا أجرة .
وإن كان المشتري هو الذي سكن ; حسب عليه أجرة المثل ; فتحصل المقاصة بقدره ، ويرد الفضل " انتهى .
ثالثا:
إذا فسخ العقد، ورجع المصنع إلى صاحبه، فإنه يجوز لوالدك أن يشتري جزءا من المصنع على قدر الدين الذي له، فيصبحان شريكين في المصنع. ويجوز أن يؤجر هذا الجزء على صاحب المصنع، ويجوز أن يعده ببيعه له مستقبلا بسعر السوق في ذلك الوقت، وهذا الوعد ليس شرطا في الشركة، بل هو وعد منفصل عن الشركة، وغير ملزم للطرفين معا، فيجوز أن يبيع له الجزء، أو يبيعه لغيره، أو يستمران على الشركة.
والاشتراك في المصنع مع الوعد ببيع الحصة، يسمى الشركة المتناقصة، وقد ذكرنا ضوابطها في جواب السؤال رقم (150113).
رابعا:
يجب على والدك التوبة إلى الله تعالى من الاقتراض بالربا، ومن الدخول في بيع الوفاء المحرم.
والمال الذي اقترضه ملك له، وله أن يشتري به ما شاء مع التوبة، وكلما عجل بالتخلص من هذا القرض كان ذلك أفضل وأحسن وأبرأ ؛ ليتخلص من الربا وآثاره.
والله أعلم.