استخدام مياة بئر المسجد فى البيت

16-12-2017

السؤال 268476

بنى والدى الدور الأول من بيتنا مسجدا، ونظرا لكثرة انقطاع المياة فى الحى فقد قمت بحفر بئر أمام المسجد على نفقتى ليتمكن المصلين من الوضوء أثناء انقطاع المياة ، ووهبت ثوابها ألى روح أبى وأمى المتوفين ، فهل يجوز لى أن اركب ماسورة مياة لبيتى فى الأدوار العلوية ، اى استخدمها استخداما شخصىا ؟ علما بأن ذلك لا يؤثر على المسجد ، وقد استفيت أحد المشايخ فقال : بأن ذلك لا يجوز ؛ لأن هذة البئر وقف لله تعالى ، فلا يجوز استعمالها فى الاستعمال الشخصى .

الجواب

الحمد لله.

لا يخلو حال السائل من حالين :

الحال الأولى : أن يشترط أن ينتفع بماء الماء البئر على الوجه الذي ذكره عند عقد الوقف ، أو ينوي ذلك من غير لفظ ، أي : أن يكون في نيته عند حفر البئر ووقفها على المسجد ، أنها له وللمسجد ، فهذا الشرط اختلف العلماء في جوازه .

والصحيح صحة الشرط والوقف .

وعليه : فيجوز في هذه الحالة أن تستفيد من ماء البئر في حاجاتك الشخصية وفي المنزل .

قال ابن رجب في قواعده (1/230):

" القاعدة الثانية والثلاثون: يصح عندنا استثناء منفعة العين المنتقل ملكها من ناقلها مدة معلومة.

ويتخرج على ذلك مسائل ..

ومنها : الوقف ، يصح أن يقف ، ويستثني منفعته مدة معلومة أو مدة حياته ؛ لأن جهالة المدة هنا لا تؤثر ؛ فإنها لا تزيد على جهالة مدة كل بطن بالنسبة إلى من بعده " انتهى.

وجاء في منتهى الإرادات وشرحه للبهوتي (2/403) ط عالم الكتب : " (وإن وقف) شيئا (على غيره واستثنى غلته) كلها (أو) استثنى (بعضها له) أي : الواقف مدة حياته ، أو مدة معينة ، صح . (أو) استثنى غلته أو بعضها (لولده) أي : الواقف كذلك : صح . (أو) استثنى (الأكل) منه (أو) استثنى (الانتفاع) لنفسه (أو لأهله ، أو) اشترط أنه (يطعم صديقه) منه (مدة حياته ، أو مدة معينة : صح) الوقف والشرط " انتهى .
 

وجاء في المغني (6/8) لابن قدامة رحمه الله  : .. الواقف إذا اشترط في الوقف أن ينفق منه على نفسه : صح الوقف والشرط ، نص عليه أحمد . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : يشترط في الوقف أني أنفق على نفسي وأهلي منه ؟ قال: نعم . واحتج ، قال: سمعت ابن عيينة عن ابن طاووس عن أبيه عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (أن يأكل منها أهله بالمعروف غير المنكر) .

وقال القاضي: يصح الوقف رواية واحدة ؛ لأن أحمد نص عليها في رواية جماعة . وبذلك قال ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو يوسف ، والزبير ، وابن سريج .

وقال محمد أنور شاه الكشميري في "فيض الباري" (4/145):

" يَصِحُّ أن يَشْترِط الوَاقِفُ ، ولم يَذْكُر نَفْسَه في اللفظ ، ونوى به : ينبغي أن يكون صحيحًا ؛ وذلك لأنهم اختلفوا في باب الأَيْمان ، أنه هل يُعتبرُ التَّخصِيصُ في اللفظ العام ؟ فَذَهب الخَصَّافُ إلى أنه يُعْتبر قضاءً ، وديانةً ، فإِنْ قال : والله لا آكل طعامًا ، ونوى به طعامًا دون طعام ، صُدَّق عنده .

وقال الآخرون : يُعتبر دِيانةً ، لا قضاءً .

قلت : فإِذا اعتُبرت النِّيةُ في تخصيص العام ، ينبغي أن تُعتبر في باب الوَقْف أيضًا ، فلا بُدَّ أن يُسأل عن نِيته " انتهى.

الحال الثانية : إذا لم يكن السائل اشترط الانتفاع لبيته في نفس عقد الوقف ، ولا نوى ذلك، بأن عرضت حاجته إلى الماء بعد مضي مدة على لزوم الوقف ، فلا يجوز له ذلك لأنه استعمال للوقف في غير ما وقف له .

قال الشيخ خالد المشيقح ، حفظه الله :

"يتفق الأئمة الأربعة على أن الأصل في شروط الوقف : الحل والصحة ، وأن العمل بها واجب، على الواقف وعلى غيره ، ناظرا كان أو حاكما أو قاضيا ، ما لم تكن هذه الأمور مخالفة للشرع، أو لمقتضى الوقف ، وما لم تقتض الضرورة والمصلحة مخالفتها.

لقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة/1] ؛ والأمر بإيفاء العقد يتضمن أصله ووصفه ، ومن وصفه : الشرط فيه .

وقوله تعالى في الوصية : ( فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ) [البقرة/181] ، والوقف كالوصية .

وفعل عمر رضي الله عنه ؛ فقد شرط شروطا ، ولو لم يكن اتباع تلك الشروط واجبا على من يلي وقفه ، لكان اشتراطها خاليا من الفائدة وعبثا " انتهى بتصرف من "الجامع لأحكام الأوقاف والوصايا والهبات" للمشيقح (2/89).

وما دمت قد اشترطت أن ماء هذه البئر لهذا المسجد ، فلا يجوز صرف الماء إلى غير ذلك .

والخلاصة :
أن من شرط منفعة معينة من الوقف ، أو مد معينة ، أو أشرك نفسه في منفعته ، أو نحو ذلك من الشروط : فهذا الشرط جائز على أصح قولي العلماء ، ما دام القدر الذي يستهلك من منفعة البئر لا يضر بالمسجد ، إذا كان الواقف اشترط ذلك في صلب عقد الوقف ، أو نواه.

فإن لم يشترط أو ينو ذلك في صلب عقد الوقف ، فلا يجوز له الانتفاع به في غير ما اشترط في الوقف ؛ لأنه تغيير في شرط الوقف بعد نفوذه ، والله أعلم .
 

الوقف
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب