الحمد لله.
هذا الحديث ضعيف لأنه مرسل .
أخرجه الطبري في "تاريخه" (2/532) ، وابن المنذر في "تفسيره" (907) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/301) ، جميعا من طريق محمد بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْن ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ فَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا يَوْمَ أُحُدٍ ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا ، قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ ، فَقَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَأَشَارُوا لَهَا إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ ".
والحديث بهذا الإسناد مرسلٌ حسنٌ إلى إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص .
وذلك لأن فيه محمد بن إسحاق بن يسار ، وحديثه حسن إذا صرح بالتحديث كما هو معلوم ، وقد صرّح هنا بالتحديث .
وفيه عبد الواحد بن أبي عون : وثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، والبزار ، والدارقطني ، وقال النسائي : " لا بأس به " ، وقال ابن حبان يخطئ . كذا في "تهذيب التهذيب" (6/438).
وأما إسماعيل بن محمد بن سعد فثقة ثبت ، قال ابن معين : " ثقة حجة " . كذا في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (1/329) ، إلا أن حديثه مرسل ، فإنه من طبقة التابعين .
وقد ورد الحديث منقولا في عدة مصادر وفي إسناده تصحيف وجب التنبيه عليه .
حيث جاء الحديث في المطبوع من "تفسير ابن المنذر" (907) هكذا : عن عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد عن سعد بن أبي وقاص به .
وهو تصحيف ، حيث تمت مراجعة المخطوط (84/ب) فإذا هو على الجادة كما ذكرنا : عن عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص به .
وكذلك ذكره ابن هشام في "السيرة" (2/99) فقال :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ .. ثم ساق الحديث
فجعله من رواية إسماعيل بن محمد عن جده سعد بن أبي وقاص .
وأورده ابن كثير كما في المطبوع من "السيرة النبوية" (3/93) فقال : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبى عون ، عَن إِسْمَاعِيل ، عَن مُحَمَّد ، عَن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ به .
فجعله هكذا : عن إسماعيل بن محمد بن أبي وقاص ، عن أبيه محمد ، عن جده سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .
والراجح - والله أعلم - أن ما جاء في سيرة ابن هشام ، وسيرة ابن كثير تصحيف ، وأن الصواب أنه من رواية عبد الواحد بن أبي عون ، عن إسماعيل بن محمد به مرسلا ، وذلك لما يلي :
أولا : أن كتاب "السيرة النبوية لابن كثير" مأخوذ من البداية والنهاية ، وعند مراجعة "البداية والنهاية" (4/225) التي راجعها الدكتور بشار عواد والشيخ عبد القادر الأرناؤوط وجدنا إسناد الحديث كما هو عند الطبري والبيهقي ، وليس كما هو منقول في "سيرة ابن كثير ".
ثانيا : أن الإمام الذهبي نقله في "تاريخ الإسلام" (2/217) عن ابن إسحاق عن عبد الواحد عن إسماعيل به مرسلا ، كما هو عند الطبري والبيهقي ، فهذا يؤكد أن ما سوى ذلك تصحيف من النساخ .
وعلى هذا فيبقى الحديث على ما تقدم من أنه مرسل حسن .
وللحديث شاهد لا يُفرح به ، أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7499) من طريق محمد بن شعيب عن عبد الرحمن بن سلمة الرازي ، وأخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/71) من طريق محمد بن حميد الرازي ، كلاهما عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ ، قال أَخْبَرَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ حَاصَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَيْصَةً وَقَالُوا: قُتِلَ مُحَمَّدٌ حَتَّى كَثُرَتِ الصَّوَارِخُ فِي نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَاسْتُقْبِلَتْ بِأَخَيهَا وَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَبِيهَا لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمُ اسْتُقْبِلَتْ أَوَّلًا فَلَمَّا مَرَّتْ عَلَى آخِرِهِمْ قَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَخُوكِ وَأَبُوكِ وَزَوْجُكِ وَابْنُكِ قَالَتْ: مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: أَمَامَكَ حَتَّى ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ ثُمَّ جَعَلَتْ تَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ لَا أُبَالِي إِذَا سَلِمْتَ مَنْ عَطِبَ .
وإسناده ضعيف جدا ، لما يلي :
أما طريق الطبراني ففيه : محمد بن شعيب التاجر ، ترجم له أبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" (2/222) وقال :" يَرْوِي عَنِ الرَّازِيِّينَ بِغَرَائِبَ ". اهـ . وحديث هذا من روايته عن الرازيين .
وفيه عبد الرحمن بن سلمة الرازي وهو " مجهول الحال " ، حيث ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/241) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، ولذا لم يعرفه الذهبي كما في "تاريخ الإسلام" (438) .
وأما طريق أبي نعيم الأصبهاني ففيه محمد بن حميد الرازي ، وهو كذاب ، كذبه أبو زرعة الرازي كما في "المجروحين" لابن حبان (2/304) ، وهو به أعلم فهو رازي مثله .
وختاما : فالحديث مع شهرته مرسل .
هذا مع التنبيه إلى أن العلم يتساهلون في أمر الأسانيد ، في أبواب السير والمغازي والتواريخ : ما لا يتساهلون في غيرها . فتذكر المراسيل ونحوها في هذه الأبواب للاعتبار ، لا سيما إذا اشتهرت عند أهل الفن – السير والمغازي – وتواردوا على ذكرها في كتبهم .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (255686).
والله أعلم .