الحمد لله.
أولا:
إذا أُكره الرجل على الطلاق بإلحاق الأذى ببدنه أو ماله ، أو بالتهديد بذلك من شخص قادر يغلب على الظن أنه سينفذ ما هدده به ، لم يقع طلاقه حينئذ .
قال في "زاد المستقنع" : " ومن أُكره عليه ظلما بإيلام له أو لولده ، أو أخذ مال يضره ، أو هدده بأحدها قادر ، يظن إيقاعه به ، فطلق تبعا لقوله : لم يقع ".
والتهديد بالفضيحة : تهديد بأمر يلحق أذى كبيرا بالإنسان قد يفوق الأذى المترتب على ضربه أو حبسه أو أخذ ماله .
وعليه :
فإن كان يغلب على ظنك أن زوجتك ستنفذ تهديدها ، وتقوم بفضحك ، ولم تجد وسيلة لتفادي ذلك إلا بالطلاق ، فطلقتها : فإن الطلاق لا يقع ؛ لأنه طلاق تحت الإكراه .
وهذا يشمل الطلقة الأولى والثانية، وكذلك الثالثة لو كانت قد هددتك بالفضيحة أيضا.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : "أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره ..
فصح عن عمر أن رجلاً تدلى بحبل ليشتار عسلاً [أي : ليأخذ عسلا من الجبل] ، فأتت امرأته فقالت : لأقطعن الحبل أو لتطلقني ، فناشدها الله ، فأبت ، فطلقها ؟
فأَتى عمرَ ، فذكر له ذلك ، فقال له : ارجع إلى امرأتك ، فإن هذا ليس بطلاق .
وحكي عدم الوقوع عن علي وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم" انتهى من "زاد المعاد" (5/208).
وقال رحمه الله تعالى : " وقال [ أي الإمام أحمد ] في رواية أبي الحارث: إذا طلق المكره ، لم يلزمه الطلاق ، فإذا فُعل به كما فُعل بثابت بن الأحنف فهو مكره ، لأن ثابتاً عصروا رجله حتى طلق ، فأتى ابن عمر وابن الزبير ، فلم يريا ذلك شيئاً .
وكذا قال الله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) النحل/106. وبهذه الآية استدل الإمام الشافعي رحمه الله على أن طلاق المكره لا يقع .
وفي سنن ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)" انتهى من "إعلام الموقعين" (4/51) بتصرف .
ثانيا:
إذا طلبت زوجتك الطلاق وهددت برمي نفسها من السيارة، وحاولت ذلك، وغلب على ظنك أنها ستفعل، فهذا يدخل في الإكراه أيضا، ولا يقع معه الطلاق.
وفي الموسوعة الفقهية (6/ 99) في بيان الإكراه المعتبر:
" ويشمل التهديد بإيذاء الغير ، ممن يحبه من وقع عليه التهديد - على الشرط المعتبر فيما يحصل به الإكراه من أسبابه المتعددة - بشريطة أن يكون ذلك المحبوب رحما محرما ، أو - كما زاد بعضهم - زوجة .
والمالكية ، وبعض الحنابلة يقيدونه بأن يكون ولدا وإن نزل ، أو والدا وإن علا . والشافعية - وخرجه صاحب القواعد الأصولية من الحنابلة - لا يقيدونه إلا بكونه ممن يشق على المكرَه (بالفتح) إيذاؤه مشقة شديدة كالزوجة ، والصديق ، والخادم . ومال إليه بعض الحنابلة . حتى لقد اعتمد بعض الشافعية أن من الإكراه ما لو قال الوالد لولده ، أو الولد لوالده (دون غيرهما): طلق زوجتك ، وإلا قتلت نفسي ، بخلاف ما لو قال : وإلا كفرت ، لأنه يكفر في الحال .
وفي التقييد بالولد أو الوالد نظر لا يخفى .
كما أنه يصدق على نحو الإلقاء من شاهق ، أي : الإلجاء بمعناه الحقيقي المنافي للقدرة الممكنة من الفعل والترك .
والمالكية - وجاراهم ابن تيمية - اكتفوا بظن الضرر من جانب المكرَه ( بالفتح ) إن لم يفعل، وعبارتهم: يكون ( أي الإكراه ) بخوف مؤلم" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما تقولون في رجل أجبرته زوجته على أن يطلقها ، وقالت : إما أن تطلق وإما أن تقتل نفسها ، وهي قادرة على أن تنفذ هذا، السكين بيدها ، فطلق ، هل يقع الطلاق أو لا ؟
لا يقع الطلاق لأنه مكره .
كيف كان مكرهاً ؟
لأنها تريد أن تقتل نفسها ، وهي قادرة على أن تنفذ ، وهذا من أشد ما يكون من الإكراه ، لذلك نقول : لا يقع الطلاق ، وهكذا جميع الأحكام لا تترتب على المكره " انتهى باختصار من "دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص/ 134).
وينظر: جواب السؤال رقم (140506).
ثالثا:
الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى وأن تحذر عقابه، وأن تعلم شؤم المعصية وضررها في الدنيا والآخرة، وقد ذكر عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
فتأمل ما أنت فيه من الهم والغم والنكد، ستجد أن مرده إلى المعصية.
وقد ذكرنا شيئا من آثار المعاصي وضررها في جواب السؤال رقم (83287) فراجعه.
نسأل الله أن يتوب عليك، وأن يصلح حالك وحال زوجك.
والله أعلم.