ما هو الدعاء الذي اعتاد الصحابة على قراءته في النصف من رمضان في ذلك الوقت ، عندما كان عمر بن الخطاب خليفة؟
الحمد لله.
أولا :
ورد في دعاء القنوت في الوتر عدة أحاديث ، أشهرها ما أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1718) ، وأبو داود في سننه (1425) ، والترمذي في "سننه" (464) ، والنسائي في "سننه" (1745) ، وابن ماجه في "سننه" (1178) ، من حديث الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوَتْرِ:
" اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ".
والحديث صحيح ، صححه النووي في "خلاصة الأحكام" (1/455) ، وابن حجر كما في "موافقة الخبر الخبر" (1/333) ، وابن الملقن كما في "البدر المنير" (3/630) ، والشيخ الألباني كما في "صحيح سنن أبي داود" (1281) .
ثانيا :
أما الدعاء الذي اعتاد الصحابة على الدعاء به في قنوت الوتر في أثناء خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فقد أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1100) من طريق عروة بن الزبير أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ - وَكَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ - أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ فَخَرَجَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِيُّ فَطَافَ بِالْمَسْجِدِ ، وَأَهْلُ الْمَسْجِدِ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَظُنُّ لَوْ جَمَعْنَا هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ .
ثُمَّ عَزَمَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَنْ يَقُومَ لَهُمْ فِي رَمَضَانَ.
فَخَرَجَ عُمَرُ عَلَيْهِمْ ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، فَقَالَ عُمَرُ:
نِعْمَ الْبِدْعَةُ هِيَ ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي تَقُومُونَ -يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ- .
فَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ ، وَكَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ :
اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِوَعْدِكَ ، وَخَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ ، وَأَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، وَأَلْقِ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، إِلَهَ الْحَقِّ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ خَيْرٍ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ .
قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ لَعْنَةِ الْكَفَرَةِ وَصَلَاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ ، وَاسْتِغْفَارِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَمَسْأَلَتِهِ:
اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُد ُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ رَبَّنَا ، وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجِدَّ ، إِنَّ عَذَابَكَ لِمَنْ عَادَيْتَ مُلْحِقٌ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَهْوِي سَاجِدًا ".
وإسناده صحيح ، صححه الشيخ الألباني رحمه الله في "قيام رمضان" (ص31) .
وورد نحوه أيضا عن مُعَاذِ بْن الْحَارِثِ أَبُو حَلِيمَةَ الأَنْصَارِيُّ المشهور بمعاذ القارئ ، وهو من الصحابة القراء ، حيث كان قارئ الأنصار وإمامهم ، وقتل في وقعة الحرة سنة ثلاث وستين ، قال ابن حجر في "الإصابة" (6/110) :" وهو الّذي أقامه عمر يصلّي التراويح في شهر رمضان ". انتهى .
وقد ثبت عنه أنه كان يدعو في صلاة القيام في رمضان بنحو من هذا الدعاء ، أخرجه عنه أبو داود في "مسائل الإمام أحمد" (ص96) ، من طريق محمد بن سيرين قال : كَانَ مِنْ دُعَاءِ مُعَاذٍ الْقَارِيِّ فِي ذَلِكَ الْقِيَامِ، يَعْنِي: فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ:
" اللَّهُمَّ عَذِّبِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ ، اللَّهُمَّ أَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، وَخَالِفْ بَيْنَ كَلِمِهِمْ ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، وَزِدْهُمْ رُعْبًا عَلَى رُعْبِهِمْ ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَاللَّهُمَّ أَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، وَاللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمِهِمْ ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، وَزِدْهُمْ رُعْبًا عَلَى رُعْبِهِمْ ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَاجْعَلْ قُلُوبَهُمْ عَلَى قُلُوبِ أَخْيَارِهِمْ ، وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يَشْكُرُوا نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذِي عَاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، إِلَهَ الْحَقِّ ".
وقد ورد عن عمر نفسه أنه كان يقول في دعاء القنوت فيقول :
" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَيُكُذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمَ ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِى لاَ تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؛ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِى عَلَيْكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَلَكَ نُصَلِّى وَنَسْجُدُ ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ، نَخْشَى عَذَابَكَ الْجَدَّ ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ ".
وهذا الدعاء أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (4969) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (7027) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/210) ، والأثر صححه البيهقي بعد روايته له ، وكذا صححه ابن الملقن في "البدر المنير" (4/371) .
ولو جمع المصلي بين هذا الذي ورد جميعا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر ، وما ورد عن أصحابه ، رضوان الله عليهم : فهو أمر حسن طيب ، وليس في مثل هذا الجمع : تطويل ، ولا إشقاق على الناس .
ولو راوح بين هذه الأدعية ، هذا تارة ، وهذا تارة : فهو حسن أيضا . وفي كل خير ، إن شاء الله .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (14093) ورقم (81083).
والله أعلم .