سمعت أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه اعتاد على ضرب أولاده الحسن والحسين عند الوقوع في الأخطاء النحوية (لم يذكر ما إذا كان في القرآن أم لا). كما أنني سمعت أيضاً أنه يجوز ضرب الأطفال بعد سن 12 عاما، إذا لم يؤدوا الصلاة. وبالمثل، ربما يتعرض الأطفال لسوء المعاملة من قبل أولياء أمورهم . هل يمكن أن تخبرنا عن صحة أنه يجوز ضرب الأطفال على الأخطاء النحوية ، ولعدم أداء الصلاة بعد سن 12 (أو سن البلوغ)؟
الحمد لله.
أولا:
جاء الأمر بدعوة الأولاد للصلاة ، وأمرهم بها إذا بلغوا سبع سنين ، وضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين ، كما روى أبو داود (495) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ). وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وهذا يقتضي جواز ضربهم على الصلاة ولو بلغوا ثنتي عشر عاما، ما لم يبلغوا.
وإذا بلغ الطفل : فهل لوليه ضربه على الصلاة ، أو غيرها ، لتأديبه؟
في ذلك خلاف بين الفقهاء، فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه.
وفي قصة ضياع عقد عائشة رضي الله عنها ومشروعية التيمم، قالت: (فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي) رواه البخاري (334).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (1/ 433):
" وفيه تأديب الرجل ابنته ، ولو كانت مزوجة كبيرة خارجة عن بيته .
ويلحق بذلك تأديب من له تأديبه ، ولو لم يأذن له الإمام" انتهى.
وقال العراقي رحمه الله في طرح التثريب (2/ 97):
" فيه تأديب الرجل ولده بالقول، والفعل، والضرب ؛ وإن كان بالغا ، أو امرأة كبيرة متزوجة . وهو كذلك" انتهى.
وقال ابن مفلح رحمه الله في الفروع (9/ 328):
" وظاهر كلامهم: يؤدب الولد ، ولو كان كبيرا مزوجا، منفردا في بيت؛ لقول عائشة لما انقطع عقدها ، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم، بالناس على غير ماء: فعاتبني أبو بكر ، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي. ولما روى ابن عمر: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) قال ابنه بلال: والله لنمنعهن . فسبه سبا سيئا ، وضرب في صدره.
قال ابن الجوزي في كتاب السر المصون: معاشرة الولد : باللطف ، والتأديب ، والتعليم . وإذا احتيج إلى ضربه : ضرب، ويُحمل على أحسن الأخلاق ، ويُجَنَّب سيئها" انتهى.
وممن منع من ضرب البالغ: الشافعية في الأصح عندهم.
قال في تحفة المحتاج (9/ 179): " للأب والجد تأديب ولده الصغير والمجنون والسفيه ، للتعلم وسوء الأدب .
وقولُ جمعٍ : الأصح أنه ليس لهما ضرب البالغ، ولو سفيها ؛ يحمل : على السفيه المهمل الذي ينفذ تصرفه ، ومثلهما الأم" انتهى.
ثانيا:
ما ذكرت من ضرب علي رضي الله عنه أولاده على الخطأ في النحو : لم نقف عليه .
ولو صح ، فربما كان شيئا خفيفا ، كالضرب بباطن باليد على ظاهر الكف، للتنبيه على الخطأ، ونحو ذلك ؛ وهذا لا حرج فيه، فإن المعلم له أن يضرب المتعلم ، إذا احتاج إلى ذلك.
وفي حاشية الشرواني (1/ 450): " قال بعضهم: ولا يتجاوز الضارب ثلاثا، وكذا المعلم فيسن له أن لا يتجاوز الثلاث .
والمعتمد : أن يكون بقدر الحاجة ، وإن زاد على الثلاث ، لكن بشرط أن يكون غير مبرح" انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية (13/ 13): " للمعلم ضرب الصبي الذي يتعلم عنده للتأديب.
وبتتبع عبارات الفقهاء يتبين أنهم يقيدون حق المعلم في ضرب الصبي المتعلم بقيود ، منها:
أ - أن يكون الضرب معتادا للتعليم ، كما وكيفا ومحلا، يعلم المعلم الأمن منه، ويكون ضربه باليد لا بالعصا، وليس له أن يجاوز الثلاث...
ب - أن يكون الضرب بإذن الولي، لأن الضرب عند التعليم غير متعارف، وإنما الضرب عند سوء الأدب، فلا يكون ذلك من التعليم في شيء، وتسليم الولي صبيه إلى المعلم لتعليمه، لا يثبت الإذن في الضرب، فلهذا ليس له الضرب، إلا أن يأذن له فيه نصا.
ونقل عن بعض الشافعية قولهم: الإجماع الفعلي مطرد بجواز ذلك ، بدون إذن الولي .
ج - أن يكون الصبي يعقل التأديب، فليس للمعلم ضرب من لا يعقل التأديب من الصبيان.
قال الأثرم: سئل أحمد عن ضرب المعلم الصبيان، قال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإذا كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه" انتهى.
ويشترط لذلك أيضا يكون ضرب تأديب، لا ضرب تشف وانتقام، وألا تترتب عليه مفسدة أكبر ، كنفور الولد ، أو الطالب.
والله أعلم.