الحمد لله.
أولا :
لاشك أن الأم أثمت بتركها لوليدها ، بعد أن أثمت بزناها مع خليلها ، ولكنها مع ذلك لا تزال أمه ، ولها عليه حق الأمومة في قول عامة الفقهاء .
وأما الرجل الذي زنت معه ليس بأبيه ولا ينسب إليه وليس له حق الأبوة ، إلا إذا استلحقه به وأقر بأبوته ولم تكن أمه حينئذ متزوجة لها فراش .
ولمزيد البيان في أمر استلحاق الرجل لولده من الزنا انظر السؤال رقم (33591) و (192131)
قال ابن حزم رحمه الله في ( المحلى 8/334 ) :
" وَوَلَدُ الزِّنَى يَرِثُ أُمَّهُ، وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَلَهَا عَلَيْهِ حَقُّ الْأُمُومِيَّةِ مِنْ: الْبِرِّ، وَالنَّفَقَةِ، وَالتَّحْرِيمِ، وَسَائِرِ حُكْمِ الْأُمَّهَاتِ .
وَلَا يَرِثُهُ الَّذِي تَخَلَّقَ مِنْ نُطْفَتِهِ، وَلَا يَرِثُهُ هُوَ، وَلَا لَهُ عَلَيْهِ حَقُّ الْأُبُوَّةِ لَا فِي بِرٍّ، وَلَا فِي نَفَقَةٍ، وَلَا فِي تَحْرِيمٍ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْهُ أَجْنَبِيٌّ ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إلَّا فِي التَّحْرِيمِ فَقَطْ.
بُرْهَانُ صِحَّةِ مَا قُلْنَا -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْضًا الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ .
فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْفِرَاشِ - وَهِيَ الْأُمُّ - وَبِصَاحِبِهِ - وَهُوَ الزَّوْجُ، أَوْ السَّيِّدُ - وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعَاهِرِ إلَّا الْحَجَرَ ... " . انتهى .
فإذا تبين بقاء حق هذه الأم في البر والمعاملة الحسنة : فالواجب على هذا الابن أن يحسن إليها ويصاحبها بالمعروف ، ما لم يترتب على هذه المصاحبة مفسدة عظيمة له في دينه أو دنياه فيكتفي حينئذ بصلتها ، والسؤال عنها ، ونصحها بغير توغل في حياتها أو العيش معها .
قال تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (لقمان/14-15.
ثانيا :
ما ذكرناه من حق الأم على ابنها ، لا يتعارض مطلقا مع حق من أحسن إليه ، ورباه ، واعتنى به ، ورعاه . فإن هذا القدر من الإحسان : عظيم جليل ، ومنة جسيمة ، توجب على هذا الرجل وأمثاله ، أن يحفظها ، ويرعاها ، ويجتهد في صلة من ربوه ، وأعانوه ، وقاموا بأمره ، وأن يرد لهم جميلهم ، فيعطيهم من ماله ، متى أفضل الله عليه ، ويرعاهم بنفسه ، متى احتاجوا إلى رعايته ، ويكرمهم ، ويشكرهم ، ويجزيهم على إحسانهم إليه بما استطاع .
وقد قال الله تعالى : (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) الرحمن/60
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (126003) ورقم (219664).
والله أعلم