الحمد لله.
لا يجوز التصليب بالأصابع بدعوى تمني الحظ الطيب؛ لأن هذه العادة –فيما يظهر- مأخوذة من تعظيم الصليب والتبرك به، ففي هذا العمل تشبه بالكفرة، وقد نهينا عن ذلك، وإنما يسأل الحظ الطيب من الله تعالى، ولا يستعان بالتصليب في شيء من أمورنا.
وقد كان حق الصليب أن يكون ممقوتا، لا معظما لو أعملوا عقولهم.
قال أبو البقاء الهاشمي في "تخجيل من حرف التوراة والإنجيل" (2/ 600): " ونحن- يرحمك الله- نسأل النصارى فنقول: أخبرونا بماذا استحق الصليب عندكم هذا التعظيم والتفخيم ، حتى صرتم تقبلونه وتمرونه على أعينكم وتصلبون به على وجوهكم؟
فمنكم من يصلب على وجه بإصبع واحد وهم القبط، ومنكم من يصلب بإصبعين وهم الروم. ومنكم من يصلب بالخمسة وبالعشرة وهم الفرنج، أفهذا دين نقلتموه عن الأنبياء ، وأخذتموه من شرائع الرسل؟
فأرونا ذلك في توراة موسى ونبوات أشعيا وأرميا ومزامير داود. وأَنَّى تجدون ذلك في هذه الكتب وهي مشحونة بالتوحيد كما قد بيّناه.
وقد كان من حُكم الصليب ، لو كنتم أَلِبَّاء عقلاءَ : أن تمقتوه وتلعنوه ، وتميتوا ذكره وتخفوه فلا تُعْلِنوه.
فإن قالوا: إنما عظمناه لأنه شَرُف بصعود المسيح عليه ، ونحن نُقَبِّله ونعظمه لذلك.
قلنا: فهلاّ تعظموا الحُمُر وتقبلوها وتسجدوا لها؛ لأن لوقا وغيره قد أخبر أن المسيح ركب حماراً عند دخوله المدينة ، والصبيان بين يديه ينادون: مبارك الآتي باسم الرّبّ. فكان ركوبه لحمار في حال تعظيمه وكرامته ، وركوبه الصليب في حال تصغيره وإهانته. فهلاّ تعظمون الحمير وتقبلونها، فإنها أفضل من الصليب بكثير. فشتان بين مركوب بالرئاسة مخصوص، ومركوب قرنه باللصوص.
فلو عقل النصارى لأسقطوا ذكر الصليب ورفضوه ، ومقتوا ذكره وأبغضوه. فإن ذاكره يُعَرِّض بربّهم ، ويُنوِّه بثلبهم" انتهى.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمقت الصليب، ولا يدع شيئا فيه تصاليب إلا نقضه.
وإذا نزل عيسى عليه السلام آخر الزمان فإنه يكسر الصليب.
روى البخاري (5952) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ).
روى البخاري (2222) ومسلم (155) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ).
وبهذا يعلم أنه لا يشرع في ديننا تعظيم الصليب، ولا التفاؤل به، فضلا عن التبرك به أو عبادته.
فالواجب الحذر من هذا الفعل المحرم.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (33842) ورقم (145596).
والله أعلم.