الحمد لله.
والعلة التي لأجلها منع النظر للمسلمة: هي سد الذريعة، ومنع الفتنة، وليست فقط حق المنظور إليها ، أو صيانتها عن النظر ؛ وهذه العلة موجودة في النظر إلى الكافرة.
وإذا كانت الشريعة قد منعت من وصف المرأة للرجل كأنه ينظر إليها، فمنع نظره إلى عورة الكافرة أولى؛ لأن الفتنة بذلك أعظم من سماع الوصف.
روى البخاري (5240) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا
وقال البخاري في صحيحه (8/ 50) : " باب: وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ، لِلْحَسَنِ: إِنَّ نِسَاءَ العَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ؟ قَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ، قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) [النور: 30] .
وسئل مالك رحمه الله عن النظر إلى شعور نساء أهل الذمة من اليهود والنصارى، من أهل مصر فقال: "ما يعجبني ذلك".
قال ابن رشد رحمه الله في "البيان والتحصيل" (18/ 310): " النظر إلى شعور أهل الذمة الأحرار المصالحين أو المستأمنين : لا يجوز .
فقوله : ( لا يعجبني ) : معناه : أنه لا يعجبني أن يُستخف ذلك ، للضرورة التي ذكرت من أنه لا يوجد بد من اتخاذهن ، اضطرارا ؛ فلما قال له ما ذكر ، من أن مصر فتحت عَنوة ؛ لم [يعجبه أن] يُستَخف ذلك أيضا فيهن .
إذ قد قيل إنها إنما فتحت صلحا، فهن على هذا أحرار .
وإن كانت افتتحت عنوة ، فقد قيل في نساء أهل العنوة ورجالهم : إن لهم حكم الأحرار .
فكره أن يستخف ذلك فيهن، لقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه" انتهى.
وما جاء عن بعض السلف من الترخيص في النظر إلى شعور أهل الذمة، محتمل، وهو معارض بما ذكرنا عن الحسن رحمه الله ، ويمكن حمله على الإماء. وكذلك ما جاء عن إبراهيم النخعي فإن ظاهره في بيع الإماء.
وأما ما روي عن سفيان الثوري رحمه الله من قوله: " لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة، وإنما نهي عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن" : فلم نقف على إسناده، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره (6/ 482) بصيغة التمريض فقال: "وروي عن سفيان".
وننبه إلى أن الكفار مخاطبون بالشريعة على الصحيح، وأن غير المسلمة لو تركت الحجاب ، فهي آثمة إثما يضاف إلى إثم كفرها .
فلا يصح الاحتجاج بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب / 59 .
قال ولي الدين العراقي: "والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين " انتهى من " طرح التثريب " ( 3 / 227 ) .
والحاصل :
أن غير المسلمة مأمورة بستر شعرها وعورتها، كما تؤمر المسلمة، وأن المؤمن مأمور بغض بصره عنها، وأنه لم يرد في النصوص تفريق بين المسلمة والحرة الكافرة في باب النظر، وهذا باب فتنة يجب الحذر منه.
والله أعلم.