أود الاستفسار عن شخص صلى صلاة بنية الفرض ولنقل الظهر مثلا ، وفي وسط الصلاة سهى وظنها العصر ، غير متعمد قلب النية، وانتبه لذلك بعد الصلاة ، فهل عليه شيء ؟
الحمد لله.
أولا :
النية شرط من شروط صحة الصلاة ، فلا تصح الصلاة إلا بالنية باتفاق العلماء .
والواجب في النية أن يبقى المصلي مستصحبا لحكمها ، بمعنى أنه لا يقطع نية الصلاة .
أما استصحاب ذكر النية ، بمعنى أنه يبقى متذكرا في الصلاة كلها أنه في صلاة الظهر مثلا ، فهذا مستحب وليس بواجب .
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (1/224) :
"ولا يجب استصحاب النية بعد التكبير ، ولكن يشترط أن لا يأتي بمناقض لها" انتهى .
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (2/447) :
" ( وَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا ) أَيْ النِّيَّةِ ( إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ ) بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا دُونَ اسْتِصْحَابِ ذِكْرِهَا ، فَلَوْ ذَهَلَ عَنْهَا ، أَوْ عَزَبَتْ [أي : غابت] عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ ، لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَقِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ .
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حِصَاصٌ فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ : اُذْكُرْ كَذَا ، اُذْكُرْ كَذَا ، حَتَّى يَظَلَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى) وَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ ( فَإِنْ قَطَعَهَا ) أَيْ : النِّيَّةَ ( فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِهَا، وَقَدْ قَطَعَهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْهَا " انتهى .
ثانيا :
إذا نوى المصلي صلاة الظهر ، وأثناء الصلاة ظن أنها صلاة أخرى ، فقيل :
إن غَيَّر شيئا في صلاته بناء على هذا الظن : لم تصح صلاته ، ويستأنف الصلاة من جديد .
جاء في "شرح منتهى الإرادات" (1/230) ذكر هذه المسألة وعللها بقوله :
"لِأَنَّهُ قَدْ قَطَعَ نِيَّةَ الْأُولَى بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ فِي أُخْرَى ، وَعَمَلِهِ لَهَا مَا يُنَافِي الْأُولَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مَا يُنَافِيهَا.
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ الْعَصْرَ، فَظَنَّ أَنَّهَا الظُّهْرُ، فَطَوَّلَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ ذَكَرَ، فَقَالَ: يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ" انتهى .
وقال ابن مفلح رحمه الله في الفروع (2/142) :
" إنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ رَبَاعِيَةٍ، ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَظُنُّهَا جُمُعَةً أَوْ فَجْرًا، أَوْ التَّرَاوِيحَ، ثُمَّ ذَكَرَ : بَطَلَ فَرْضُهُ، وَلَمْ يَبْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، [يعني : الإمام أحمد] لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمَّا نَافَى الْأَوْلَى ، قَطَعَ نِيَّتَهَا، كَمَا لَوْ كَانَ عالما .
ويتوجه احتمال وتخريج : يبني ، كظنه تمام مَا أَحْرَمَ بِهِ" انتهى .
وينظر: "الإنصاف" (3/370).
والقول الثاني : أنها تصح ، مطلقا ، وهو "الاحتمال" و"الاتجاه" الذي أشار إليه ابن مفلح .
وهذا هو مذهب الشافعية في الأظهر .
قال النووي رحمه الله : " وهل يجب أن ينوي بسلامه الخروج [يعني : من الصلاة ] ؟
فيه وجهان مشهوران :
(أصحهما) عند الخراسانيين : لا يجب ؛ لأن نية الصلاة شملت السلام..
(والثاني) : يجب ، وهذا هو الأصح عند جمهور العراقيين ...
والصحيح : الأول . قال الرافعي : وهو اختيار معظم المتأخرين ...
قال أصحابنا : فإن قلنا يجب نية الخروج ، لم تجب عن الصلاة التي يخرج منها ؛ بلا خلاف ...
قالوا : فلو عَيَّن غير التي هو فيها ، عمدا : بطلت صلاته .
وإن كان سهوا : سجد للسهو ، وسلم ثانيا .
وإن قلنا لا تجب النية : لم يضر الخطأ في التعيين ؛ لأنه كمن لم ينوِ .
هكذا قاله أصحابنا ، واتفقوا عليه .
قال صاحب "العدة" و"البيان" : لا يضره ، كما لو شرع في صلاة الظهر ، وظن في الركعة الثانية أنه في العصر ، ثم تذكر في الثالثة أنها الظهر ؛ لم يضره ، وصلاته صحيحة في المسألتين " انتهى، من "المجموع شرح المهذب" (3/477) .
وقال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله : "(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ بِالسَّلَامِ) الْأَوَّلِ (الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا كَنِيَّةِ التَّحَرُّمِ ...
وَإِذَا نَوَى : (فَلَا يَضُرُّ تَعْيِينُ غَيْرِ صَلَاتِهِ) خَطَأً ؛ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي ظُهْرٍ ، وَظَنَّهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَصْرًا، ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الثَّالِثَةِ ؛ لَا يَضُرُّ" . انتهى، من "أسنى المطالب" (1/167) .
وهذا أيضا ، هو مذهب الأحناف في المسألة :
قال الكاساني رحمه الله : " وَلَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ ، ثُمَّ تَوَهَّمَ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ، فَصَلَّى عَلَى ذَلِكَ الْوَهْمِ ، رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ - فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ شَرْطُ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ، لَا شَرْطُ بَقَائِهَا ، كَأَصْلِ النِّيَّةِ، فَلَمْ يُوجَدْ تَغْيِيرُ فَرْضٍ ، وَلَا تَرْكُ وَاجِبٍ .
فَإِنْ تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ تَفَكُّرًا شَغَلَهُ عَنْ رُكْنٍ : فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ، اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا مَرَّ." انتهى، من "بدائع الصنائع" (1/165) .
وجاء "فتاوى قاضيخان" (1/59) : "ولو افتتح الظهر ، ثم نسي فظن أنه في العصر ، فصلى ركعة أو أكثر ، ثم تذكر أنه كان في الظهر لا سهو عليه؛ لأن تفكره لم يشغله عن أداء ركن. ولو شك في ركوعه ، أو سجوده ، وطال تفكره : كان عليه السهو" . انتهى .
وينظر أيضا : "الأصل" ، لمحمد بن السحن (1/262) .
وبناء على هذا ، أن من نوى صلاة الظهر ، ثم أثناء الصلاة سها ، وظن أنه في صلاة العصر: فإن لم يعمل شيئا لصلاة العصر ينافي نيته الأولى، صحت صلاة الظهر . وإن عمل شيئا ، فقد اختلف أهل العلم في ذلك .
وأظهر القولين في المسألة : أنه ينبني على ما فات ، وصلاته صحيحة ، إن شاء الله .
والله أعلم .