الحمد لله.
الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين وللتشهد الأخير، وللسلام، كل ذلك من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة بدونه إلا لعاجز، كمن لا يقدر على الركوع أو السجود أو الجلوس، لمرض، أو لخوف زيادته، أو لكونه مربوطا لا يتمكن من الحركة.
وكذا لو كان في شدة الخوف كالهارب من سيل أو نار أو سبع أو حال المسايفة والاقتتال، فإنه يصلي قائما وماشيا وراكبا، مستقبل القبلة وغير مستقبلها، على قدر استطاعته، ؛ لقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ البقرة/239
وأما صلاة الخوف في غير حال المسايفة، فلابد فيها من الركوع والسجود والجلوس، وينظر: جواب السؤال رقم:(36896).
قال ابن قدامة رحمه الله: " (وإذا كان الخوف شديدا، وهم في حال المسايفة، صلوا رجالا وركبانا، إلى القبلة وإلى غيرها، يومئون إيماء، يبتدئون تكبيرة الإحرام إلى القبلة إن قدروا، أو إلى غيرها).
أما إذا اشتد الخوف، والتحم القتال، فلهم أن يصلوا كيفما أمكنهم؛ رجالا وركبانا، إلى القبلة إن أمكنهم، وإلى غيرها إن لم يمكنهم، يومئون بالركوع والسجود على قدر الطاقة، ويجعلون السجود أخفض من الركوع، ويتقدمون ويتأخرون، ويضربون ويطعنون، ويكرون ويفرون، ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها.
وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة، وابن أبي ليلى: لا يصلي مع المسايفة، ولا مع المشي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل يوم الخندق، وأخر الصلاة، ولأن ما منع الصلاة في غير شدة الخوف، منعها معه، كالحدث والصياح.
وقال الشافعي: يصلي، ولكن إن تابع الطعن، أو الضرب، أو المشي، أو فعل ما يطول، بطلت صلاته؛ لأن ذلك من مبطلات الصلاة، أشبه الحدث.
ولنا، قول الله تعالى: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا [البقرة: 239] ، قال ابن عمر: فإن كان خوف أشد من ذلك، صلوا رجالا قياما على أقدامهم، وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. متفق عليه. وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "المغني" (2/ 309).
وتأخير الصلاة كالذي حصل يوم الخندق، منسوخ عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة. وينظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/ 10).
وعليه: فلا تصح صلاتك قائما، ولا يعتبر ما ذكرت عذرا، وعليك أن تجد عملا آخر، أو تقنع المسئول عن عملك بأن يكون لك وقت للصلاة، كما أن لك وقتا للطعام وقضاء الحاجة.
وغاية ما لك من الرخصة أن تجمع الظهرين، والعشاءين إن خشيت ضياع الوظيفة التي تحتاجها، لو صليت كل صلاة في وقتها.
قال في "منار السبيل" (1/ 192) في الأعذار المبيحة للجمع: " [ولعذر، أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة] وتقدم." انتهى.
وقال قبلها (1/ 184): " [أو يخاف على مال استؤجر لحفظه، كنظارة بستان] لحديث ابن عباس مرفوعاً: (من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر) - قالوا: فما العذر يا رسول الله؟ قال: (خوف أو مرض - لم يقبل الله منه الصلاة التي صلى) رواه أبو داود.
والخوف ثلاثة أنواع: على المال من سلطان، أو لص، أو خبز، أو طبيخ يخاف فساده، ونحوه. وعلى نفسه من عدو، أو سيل، أو سبع. وعلى أهله، وعياله. فيعذر في ذلك كله، لعموم الحديث" انتهى.
فهذه أعذار تبيح ترك صلاة الجماعة، والجمع بين الصلاتين.
وأما ترك الركوع والسجود: فلا عذر فيه إلا لمن تقدم.
والله أعلم.