الحمد لله.
" اختلف العلماء في الفرق بين اليأس والقنوط على أقوال منها:
والراجح – والله أعلم – وجود الفرق بين اليأس والقنوط حال اجتماعهما في اللفظ ، كقوله تعالى: ( لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ) .
قال ابن جرير في معنى الآية: " إن ناله ضر في نفسه من سقم، أو جهد في معيشته، أو احتباس من رزقه فيئوس قنوط، يقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشر النازل به عنه " .
وكما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) ، وقول ابن مسعود رضي الله عنه السابق : ( أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ) ...
فدل ذلك على الفرق بينهما حال اجتماعهما في اللفظ، وأما إذا افترقا في اللفظ : فالظاهر – والله أعلم – أنهما بمعنى واحد.
وأما القول بأن اليأس أشد من القنوط ، لكون ظاهر القرآن حكم على أهل اليأس بالكفر، فقال تعالى: ( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) ، بينما حكم على أهل القنوط بالضلال ، قال تعالى: ( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ ) : فلا يلزم منه أن يكون اليأس أشد، إذ ربما يكون الحكم بالضلال زائدًا على الحكم بالكفر، فيجتمع فيه وصفان شنيعان ، لقبح الفعل وشدته ، كما قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ) ، وقال تعالى: ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) ؛ فحكم هنا على من دعا غير الله بالكفر، وحكم عليه في موضع آخر بالضلال ، فقال تعالى: ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) ، ومما يشعر بأن القنوط أشد من اليأس الفرق اللغوي، حيث جعل القنوط أشد أنواع اليأس " انتهى بتصرف يسير، من بحث للشيخ إبراهيم الحماد في "مجلة البحوث الإسلامية" (89/178) .
والله أعلم .