الحمد لله.
أولا:
كون التجارة والسيارتين وغيرهما باسمك، لا يعني أن والدك قد وهب ذلك لك، فضلا عن أخيك الذي لم يُسجل باسمه شيء؛ فإن الهبة عقد لابد فيه من التصريح.
وعليه : فالأصل أن جميع ذلك يدخل في التركة.
ولا يقال إن هذه التجارة مقابل عملكما وتعبكما، فإنه لا شك أنكما كنتما تتعيشان وتنفقان منها ، خلال هذه المدة، فكما أنكما أعطيتما جهدا ، فقد أخذتما أيضا ، وانتفعتما ، وتعيشتما .
ثم إن عملكما مع أبيكما : إما أن يكون تبرعا ، وإما أن يكون بمقابل :
فإن كان تبرعا ، فالأمر فيه ظاهر.
وإن كان بمقابل، فإن كان قد حصل لكما هذا المقابل من خلال ما كنتما تأخذانه وتنفقانه على أنفسكما ؛ فالحمد لله .
وإن كان ما أخذتما لا يفي بالمقابل المناسب لعملكما، وكان في نيتكما الرجوع والمطالبة، فيقدر لكما أجرة المثل، أو مضاربة المثل، ويخصم منها ما أخذتما، وتستحقان الباقي قبل قسمة التركة، ويكون هذا بمثابة الدين على أبيكم.
وإن لم يكن في نيتكم الرجوع والمطالبة، فلا شيء لكما.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/ 205) : " لي والد يناهز من العمر حوالي خمسة وسبعين عاما، ولا زال على قيد الحياة، له بيت مبني من الطين وقديم ويقع في مكان مناسب، وقمت بهدم البيت وإعادة بنائه من جديد من المسلح على حسابي أنا ... الخ ".
وجاء في الجواب :
" .. أما ما ذكرته من إنفاقك على بيت أبيك ، فإن كنت متبرعا بذلك في قرارة نفسك وقت الإنفاق : فالله يأجرك ، وليس لك الرجوع به على والدك .
وإن كنت أنفقته بنية الرجوع : فلك ذلك " انتهى.
ثانيا:
يلزم الأب العدل فيما يهبه لأولاده؛ لما روى البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ قَالَ لَا قَالَ: (فَارْجِعْهُ).
ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما.
ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً ، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ – هي أم النعمان - : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟
قَالَ لَا .
قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) .
قَالَ : فَرَجَعَ ، فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): (لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ).
والعدل في الهبة أن يعطى الذكر مثل الأنثيين، كما في الميراث.
فإذا لم يكن والدكم قد حقق العدل في الهبة، كما لو كان ميز بعض الذكور على بعض، أو لم يعط الأنثى نصف ما أعطى للذكر، أو لم يهب لك ولأخيك كما وهب لإخوتكم، فينظر:
1-إن كان التفضيل في الهبة قد تم برضاكم، والحال أن الجميع بالغ راشد، فلا حرج.
2-وإن كان التفضيل لم يتم برضى الجميع، فإن الواجب رد جميع الهبات إلى التركة، ثم قسمتها القسمة الشرعية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن فضل بعض أولاده على بعض:
" والصحيح من قولي العلماء : أنه يجب عليه أن يرد ذلك في حياته، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مات ولم يرده : رُدَّ بعد موته ، على أصح القولين أيضا، طاعة لله ولرسوله، واتباعا للعدل الذي أمر به، واقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به، والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى من " الفتاوى الكبرى " (4/ 184).
وينبغي أن تراعوا ما بينكم من الرحم، وأن تحرصوا على بقاء الصلة والمودة.
والله أعلم.