الحمد لله.
أولا:
محتوى هذه الرسالة من الأمور المبتدعة المنهي عنها؛ فهي قد اشتملت على عدد من الأمور المنهي عنها شرعا:
الأمر الأول: الدعاء عبادة شرعية، والعبادات مبناها على الاتباع؛ والدعاء وإن كان مأذونا فيه لكل مسلم أن يتخير من الدعاء المشروع ما يريده، إلا أن اختراع صيغة من صيغ الدعاء ونشرها بين الناس ، وادعاء فضلها دون غيرها من الصيغ، أو ترتيبها على كيفية معينة راتبة ، أو تعليق فضل معين ، في الدنيا أو الآخرة عليها = كل ذلك مما يدخلها في باب الابتداع في الدين .
ومجرد طلب الخير بهذا الدعاء، أو بنشره بين الناس : لا يجعله مشروعا، فالعمل الصالح يشترط له مع الإخلاص، اتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ ، فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أن حديث: ( الأعمال بالنيات ) ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء " انتهى. "جامع العلوم والحكم" (1 / 176).
روى البيهقي في "السنن الكبرى" (5 / 237 - 238) بسنده، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: " أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، يُكْثِرُ فِيهَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ "، وصحح اسناده الألباني في "ارواء الغليل" (2 / 236).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما، وقد يكون مكروها، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس، وهي جملة يطول تفصيلها.
وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها، كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به .
بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرما : لم يجز الجزم بتحريمه؛ لكن قد يكون فيه ذلك، والإنسان لا يشعر به.
وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت، فهذا وأمثاله قريب.
وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما ينهى عنه .
ومع هذا ففي الأدعية الشرعية ، والأذكار الشرعية : غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد " انتهى. "مجموع الفتاوى" (22 / 510 – 511).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
" والاعتداء في الدعاء على وجوه: ...
ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة، فيتخير ألفاظا مُفَقّرة، وكلمات مسجعة، قد وجدها في كراريس لا أصل لها، ولا معول عليها، فيجعلها شعاره ، ويترك ما دعا به رسوله عليه السلام، وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء، كما تقدم في البقرة بيانه " انتهى، من "تفسير القرطبي" (9 / 248).
وقال المعلمي رحمه الله تعالى:
" استثنى النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم ، لأن الداعي عاص بهذا الدعاء؛ فلا يستحق الإجابة أصلا .
ويلحق بذلك – والله أعلم- : من ابتدع في دعائه، إما في نفس الدعاء، وإما فيما يتعلق به؛ كأن تحرى مكانا، أو زمانا، أو هيئة، يزعم أن ذلك أقرب إلى الإجابة؛ ولم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " انتهى، من "العبادة" (ص 411).
الأمر الثاني: هذا الدعاء اشتمل على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في جملة " سألناك بالقرآن ...ومن عليه نزل "، وهذا أمر غير مشروع ؛ وقد بيّن هذا في الفتوى رقم (220340).
الأمر الثالث: ادعاء صاحب الرسالة أن الدعاء بهذه الصيغة 100 الف والف وتقسيمها على الناس لكل شخص عشر مرات، وأن الالتزام بهذا سيحصل به الفرج العاجل.
هذا قول على الله تعالى بغير علم، وهو من كبائر الذنوب.
قال الله تعالى:
( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف /33.
وقال الله تعالى:
( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء /36.
الأمر الرابع: واضح في هذه الصيغة أن فيها تكلفا للسجع، وهو مكروه في الدعاء.
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ( حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلاَثَ مِرَارٍ، وَلاَ تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا القُرْآنَ، وَلاَ أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي القَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ -يَعْنِي لاَ يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ- ) رواه البخاري (6337).
ثانيا:
من الأعمال الفاضلة؛ أن يهتم المسلم بأمر المسلمين ، فيتعاهدهم بالدعاء، خاصة من هم في ضيق وشدة، ويوصي إخوانه بالدعاء لهم ، ويتناصحون فيما بينهم بترك المنكرات وفعل المأمورات، حتى يرفع الله البلاء، وهذا يدخل في عموم التواصي بالحق وبالصبر، قال الله تعالى:
( وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) العصر (1 – 3).
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ .
رواه النسائي (3178) ، وصححه الألباني .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها قلوبهم واحدة موالية لله ولرسوله ولعباده المؤمنين معادية لأعداء الله ورسوله وأعداء عباده المؤمنين وقلوبهم الصادقة وأدعيتهم الصالحة هي العسكر الذي لا يغلب والجند الذي لا يخذل فإنهم هم الطائفة المنصورة إلى يوم القيامة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم." انتهى، من "مجموع الفتاوى" (28/644) .
والله أعلم.