يأخذ مالا من جهة مانحة من غير أن يلتزم بشرطها في تلك المنحة.

29-11-2017

السؤال 279426

مشكله يعاني منها أغلب المسلمون المقيمون في أوروبا ، أن اللاجىء يحصل على مساعدة مالية أسبوعية من مركز العمل ، وهي مشروطة ببحثه عن عمل ، ولكنه لا يبحث، وخاصة أن أغلب الأعمال غير شرعية ، والعمل عند المسلمين غالباً يكون بأقل من الحد الأدنى للأجور، فيلجأ العاطل عن العمل لكتابة أسماء محلات يدعي أنه سأل أصحابها عن أي شواغر لديهم بينما هو لم يفعل، فما حكم هذا المال ، وخاصة أن جزءاً منه يدفع كإجار للبيت ؟ وهل التصدق به أو شراء أضحية أو الزواج به جائز؟ وما حكم ما أنفق منه سابقاً على الطعام واللباس وغيره ؟

الجواب

الحمد لله.

من الواجب على المسلم أن يحافظ على عهوده وعقوده وأن يلتزم بشروطه إذا لم تكن محرمة.

قال الله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) المائدة (1) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" فقد جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك ... " انتهى . "القواعد النورانية" (ص 272) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ) رواه أبو داود (3594 ) ، ورواه الترمذي (1352) من حديث عمرو بن عوف. وصححه الألباني ؛ فقال رحمه الله تعالى : " الحديث بمجموع الطرق يرتقى إلى درجة الصحيح لغيره " انتهى من " إرواء الغليل " (5 / 145) .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

" وهاهنا قضيتان كليتان من قضايا الشرع الذي بعث الله سبحانه به رسوله :

إحداهما: أن كل شرط خالف حكم الله وناقض كتابه : فهو باطل ، كائنا ما كان .

والثانية: أن كل شرط لا يخالف حكمه ولا يناقض كتابه ، وهو ما يجوز تركه وفعله بدون الشرط: فهو لازم بالشرط ، ولا يستثنى من هاتين القضيتين شيء، وقد دل عليهما كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق الصحابة رضي الله عنهم " انتهى . "اعلام الموقعين" (5 / 379).

ويدخل في هذه القضية معاملات المسلم الذي يدخل لبلاد الكفر بإذن منهم ، وأمانهم ؛ فإنه يجب عليه أن يستقيم في معاملاته معهم ، ولا يغدر بهم ، ولا يخونهم.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" مسألة: قال: " من دخل إلى أرض العدو بأمان، لم يخنهم في مالهم، ولم يعاملهم بالربا "...

وأما خيانتهم، فمحرمة؛ لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم ؛ وأمنُه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ، فهو معلوم في المعنى .

ولذلك من جاءنا منهم بأمان، فخاننا : كان ناقضا لعهده.

فإذا ثبت هذا، لم تحل له خيانتهم، لأنه غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون عند شروطهم ) " انتهى، من "المغني" (13 / 152).

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (31 / 144 - 145):

" اتفقوا على أنه يجب على من دخل من المسلمين دار الحرب بأمان منهم : أن لا يغدرهم ، ولا يخونهم " انتهى.

فيتضح بهذا أنه لا يجوز أخذ أموال هذه الجهة المانحة إلا وفق شرطها، فإذا أخذ مالهم بما يخالف شرطها ، فإنه يعتبر هذا التصرف غشا وخيانة، يجب على المسلم أن يبتعد عنهما.

وعليه :

فإن كان من شروط هذه المنحة أنه يبحث عن العمل ، فإن لم يجد ، استحق المنحة ؛ فالواجب عليه أن يبحث عن العمل بحثا حقيقيا ، لا صوريا ولا غشا .

لكن العمل المحرم وجوده كعدمه ، فهو كمن لم يجد عملا ، لأن شرط الله تعالى وشرعه مقدم على شرط الناس .

وكذلك : لا يلزمه أن يعمل بأقل من أجرة المثل ، حسب عرف الناس في تلك البلد ، أو ما ذكرته بـ"الحد الأدنى من الأجور" ، كما تقول عن الأعمال عند المسلمين .

ثانيا:

من أخذ منهم مالا بغير رضا منهم عن طريق الغش، فإن التخلص من هذا المحرم يكون بالتوبة، وإرجاع ما أخذه إلى أصحابه.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" فإن خانهم، أو سرق منهم، أو اقترض شيئا، وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان، رده عليهم، وإلا بعث به إليهم؛ لأنه أخذه على وجه محرم عليه أخذه، فلزمه رده، كما لو أخذه من مال مسلم " انتهى، من "المغني" (13 / 152 - 153).

فإذا لم يستطع المسلم رد المال خوفا من السجن أو العقاب ، أو لأنه أنفقه قبل ذلك ، ولم يعد في ملكه : فإنه إذا تاب توبة نصوحا، فإن الله تعالى يجعل له مخرجا.

قال الله تعالى:

( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) الطلاق (2).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وهذه الآية عامة في كل من يتقي الله ...

ومن كان يعلم أن ذلك حرام، وفعل المحرم ، وهو يعتقد أنها تحرم عليه، ولم يكن عنده إلا من يفتيه بأنها تحرم عليه: فإنه يعاقب عقوبة بقدر ظلمه، كمعاقبة أهل السبت بمنع الحيتان أن تأتيهم، فإنه ممن لم يتق الله ، فعوقب بالضيق.

وإن هداه الله فعرفه الحق، وألهمه التوبة، وتاب: فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وحينئذ فقد دخل فيمن يتقي الله، فيستحق أن يجعل الله له فرجا ومخرجا، فإن نبينا محمدا  صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، ونبي الملحمة. فكل من تاب فله فرج في شرعه "انتهى. "مجموع الفتاوى" (33 / 34 - 35).

ومن هذه المخارج أنه يجوز له أن يتصدق بالمال تخلصا منه .

وإن كان فقيرا محتاجا : فله أن يأخذ منه بمقدار حاجته ، فإن الفقراء مصرف من مصارف أموال الدولة .

على أنه يجب أن يُعْلم أنه لا يجوز أخذ هذه الأموال ، ابتداء ، بهذه الطريقة المنهي عنها لأجل التصدق بها ، أو فعل بعض أعمال الخير، فإن الله طيب ، لا يقبل إلا طيبا .

وإنما التصدق بمثل هذه الأموال : إنما هو في حق من ابتلي بها قبل ذلك ، ثم تاب ، ولم يتمكن من رد الحق إلى أهله ، لعجزه عن ذلك ، أو خوفه من ضرر أو أذى يقع عليه .

وأما من أنفق ما حصل عليه من هذا المال ، من قبل ، على زواجه ، أو على نفسه : فزواجه صحيح ، لا دخل لهذا المال في فساد نكاح ولا صلاحه.

مع وجوب توبته من الكسب المحرم كله ، سواء من هذا المال أو غيره ، وأن يرد الحق إلى أهله، على ما سبق بيانه .

وانظر جواب السؤال رقم (132350).

والله أعلم.

الأموال المحرمة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب