الحمد لله.
وروى البيهقي في "السنن الكبرى" (15499) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلاَقٌ " وصححه ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/38)
وهو المروى عن علي وابن الزبير وابن عمر وغيرهم من السلف رضي الله عنهم .
وينظر : "مصنف ابن أبي شيبة" (5/48-49) ، "سنن البيهقي" (7/357-359) ، "مصنف عبد الرزاق" (6/407-411) .
وقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الإْكْرَاهُ شَدِيدًا ، كَالْقَتْل ، وَالْقَطْعِ ، وَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي إِغْلاَقٍ ) وَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ : ( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) وَلأِنَّهُ مُنْعَدِمُ الإْرَادَةِ وَالْقَصْدِ ، فَكَانَ كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ ، فَإِذَا كَانَ الإْكْرَاهُ ضَعِيفًا ، أَوْ ثَبَتَ عَدَمُ تَأَثُّرِ الْمُكْرَهِ بِهِ ، وَقَعَ طَلاَقُهُ لِوُجُودِ الاِخْتِيَارِ " .
"الموسوعة الفقهية" (29 / 17-18) ، وينظر : أيضا : "الموسوعة الفقهية" (22 / 231) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ ، وَالْإِكْرَاهُ يَحْصُلُ إمَّا بِالتَّهْدِيدِ أَوْ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ بِلَا تَهْدِيدٍ .
وكَوْنُهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ تَحَقُّقَ تَهْدِيدِهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوَى الطَّرَفَانِ لَكَانَ إكْرَاهًا . وَأَمَّا إنْ خَافَ وُقُوعَ التَّهْدِيدِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُهُ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ . وَلَوْ أَرَادَ لِلْكُرْهِ وَإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَتَكَلَّمَ بِهِ وَقَعَ " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5 / 489-490) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما تقولون في رجل أجبرته زوجته على أن يطلقها ، وقالت : إما أن تطلق وإما أن تقتل نفسها ، وهي قادرة على أن تنفذ هذا، السكين بيدها ، فطلق ، هل يقع الطلاق أو لا ؟
لا يقع الطلاق لأنه مكره .
كيف كان مكرهاً ؟
لأنها تريد أن تقتل نفسها ، وهي قادرة على أن تنفذ ، وهذا من أشد ما يكون من الإكراه ، لذلك نقول : لا يقع الطلاق ، وهكذا جميع الأحكام لا تترتب على المكره " انتهى باختصار من "دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص/ 134).
والحاصل أن زوجك إن كان قد طلقك خوفا من أن تلحقي بنفسك أذى ظاهرا، أو أن تتدهور صحتك النفسية ، لما رأى من حالتك وثورتك، فلا يقع طلاقه.
وإن كان طلقك اختيارا ، أو كان لا يخاف أن تتضري ضررا بالغا، لكنه استعجل فطلقك ، فإن طلاقه يقع لعدم الإكراه.
وينظر جواب السؤال رقم : (140506) .
والله أعلم.