الحمد لله.
أولا:
ما يروى في الحديث : خير الأسماء ما عبّد وحمّد ، ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وإنما الصحيح؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ :عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ رواه مسلم (2132).
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (72249).
ثانيا:
المشهور عند أهل السيّر والتاريخ، والذي يكاد يتفقون عليه؛ هو أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد له ثلاثة أولاد ذكور: القاسم، وعبد الله، وإبراهيم.
قال مصعب بن عبد الله الزبيري رحمه الله تعالى:
" فولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: القاسم، وهو أكبر ولده؛ ثم زينب؛ ثم عبد الله؛ ثم أم كلثوم، ثم فاطمة؛ ثم رقية؛ هم هكذا، الأول فالأول. ثم مات عبد الله. ثم ولدت له مارية بنت شمعون إبراهيم، وهي القبطية التي أهداها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المقوقس صاحبُ الإسكندرية " انتهى من "نسب قريش" (ص 21).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: " أولهم القاسم، وبه كان يكنى، مات طفلا، وقيل: عاش إلى أن ركب الدابة، وسار على النجيبة.
ثم زينب، وقيل: هي أسن من القاسم، ثم رقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وقد قيل في كل واحدة منهن: إنها أسن من أختيها، وقد ذكر عن ابن عباس أن رقية أسن الثلاث، وأم كلثوم أصغرهن.
ثم ولد له عبد الله، وهل ولد بعد النبوة أو قبلها؟ فيه اختلاف، وصحح بعضهم أنه ولد بعد النبوة، وهل هو الطيب والطاهر، أو هما غيره؟ على قولين. والصحيح: أنهما لقبان له، والله أعلم. وهؤلاء كلهم من خديجة، ولم يولد له من زوجة غيرها.
ثم ولد له إبراهيم بالمدينة من سريته "مارية القبطية" سنة ثمان من الهجرة. " انتهى من "زاد المعاد" (1 / 100 -101).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وكان جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة، إلا إبراهيم فإنه كان من جاريته مارية، والمتفق عليه من أولاده منها : القاسم ، وبه كان يكنى، مات صغيرا قبل المبعث أو بعده، وبناته الأربع: زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة، وقيل: كانت أم كلثوم أصغر من فاطمة، وعبد الله ولد بعد المبعث فكان يقال له الطاهر والطيب، ويقال: هما أخوان له، وماتت الذكور صغارا باتفاق " .
انتهى من "فتح الباري" (7 / 137).
ثالثا:
وأما يتعلق بأسماء أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ، الذكور :
فالمشهور أن القاسم ولد قبل بعثته صلى الله عليه وسلم.
وأما عبد الله فاسمه موافق للحديث السابق : إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ .
وأما إبراهيم؛ فقد ولد للنبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وتوفي قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي، إِبْرَاهِيمَ رواه مسلم (2315).
وهذا لا يتعارض مع حديث إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ؛ فإن "استحباب" التسمية بـ"عبد الله" و"عبد الرحمن" ، لا ينافي أن غيرها من الأسماء محبوب ، أو مستحب أيضا؛ وليست التسمية بهذا ولا ذاك من الواجبات أو الفرائض .
وكما تؤخذ سنته صلى الله عليه وسلم من أقواله ، فكذلك تؤخذ من أفعاله صلى الله عليه وسلم، بل وتقريراته أيضا ، كما هو معلوم .
وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب /21 .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه، عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال: ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) " .
انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 / 391).
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم بتصرفه هذا بتسمية ابنه إبراهيم، إلى مشروعية التسمِّي بأسماء الأنبياء، وأنه لا يجب التقيد باسم عبد الله وعبد الرحمن.
فلذا سمَّى -أيضا- ابن أبي موسى إبراهيم.
عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: " وُلِدَ لِي غُلاَمٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ " رواه البخاري (6198) في باب "مَنْ سَمَّى بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ"، ورواه مسلم (2145).
قال النووي رحمه الله تعالى معلقا على هذا الحديث:
" وفيه أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن ) : ليس بمانع من التسمية بغيرهما " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (14 / 125 - 126).
وقد سمَّى ابن عبد الله بن سلام يوسف.
عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما قال: " سَمَّانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوسُفَ، وَأَقْعَدَنِي عَلَى حِجْرِهِ، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي " رواه البخاري في "الأدب المفرد" (838) تحت باب "أسماء الأنبياء"، وصححه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10 / 578)، والألباني في "صحيح الأدب المفرد".
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين للأمة أن الأسماء الحسنة كثيرة ولا حرج في التسمِّي بأيٍّ منها .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (225437) ، ورقم : (7180) .
والله أعلم.