هل الخطاب الشرعي متحيز للرجل؟!

20-07-2023

السؤال 282428

كنت أقرأ عن مكانة المرأة في الإسلام، فلاحظت أن الإسلام يركز على جعل المرأة زوجة صالحة للزوج، ولم يركز عليها هي بالذات، مما جعلني أشعر بأن الإسلام ينحاز للرجل أكثر، مثلا: هناك أن المرأة أكثر أهل النار، فلماذا كل هذا الترهيب؟ أريد معرفة قيمتي كامرأة من دون الحاجة إلى ذكر زوج، زوجة، أم، مع العلم ليس كل الرجال كالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، فمنهم من لا يخاف الله تعالى، وعلى المرأة الصبر، لماذا؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

إن الوحي يعرض للرجل باعتبار ذاته، وأنه عبد لله، ويعرض له باعتباره أبا وزوجا وراعيا مسؤولا عن رعيته، ويعرض له باعتباره ابنا مسؤولا عن بر والديه.

ومثل ذلك المرأة: يعرض الوحي لها باعتبار تنوع أدوارها الاجتماعية، وتنوع الخطاب بتنوع الأدوار أمر طبيعي ومعقول لا إشكال فيه.

وبالتالي فليس صحيحًا أن الوحي حصر خطابه للمرأة في كونها زوجة أو أمًا.

بل يقول سبحانه في آية محكمة: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران/195.

ويقول سبحانه: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) النساء/124.

ويقول سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97.

ويقول سبحانه: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر/40.

فديننا كامل وشامل لمصالحنا في الدنيا والآخرة، جاء بالخير للمسلمين رجالاً ونساء.

وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ) رواه أحمد(5869)، والترمذي(105)، وأبو داود (236)، وحسنه الألباني.

قال الشيخ ابن بازرحمه الله: "المعنى، والله أعلم: أنهن مثيلات الرجال، إلا ما استثناه الشارع؛ كالإرث والشهادة وغيرهما مما جاءت به الأدلة" انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (25/372).

وشاركت النساء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بأدوار مستقلة ظاهرة، يقول عبد الله بن عباس: "وأما النساء فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج معه بالنساء، فيداوين المرضى، ويقمن على الجرحى، ولا يحضرن القتال" أخرجه أحمد في "المسند" (1967).

وكان للنساء حظ من عناية النبي بالتعليم والتذكير؛ ففي صحيح البخاري (101) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ...".

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصص للنساء يومًا ليعظَهُنَّ، ويذكِّرَهُنَّ، ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى، ومن ذلك: أن يسيرة رضي الله عنها -وكانت من المهاجرات - قالت: " قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّقْدِيسِ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ) رواه الترمذي(3583).

 وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِذَا اسْتَأْذَنُوكُمْ)

رواه مسلم(442).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) رواه البخاري (900).

ولو لم يكن للنساء حضور مستقل؛ هل كنا سنرى نموذج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أعلم أهل زمانها بالفقه والحلال والحرام، والشعر وأيام العرب (تاريخهم وحروبهم)، والنسب، بل والطب كذلك!!

يقول ابن أختها عروة ابن الزبير لها: " يا أمتاه لا أعجب من فهمك، أقول: زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت أبي بكر.

ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس، أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس.

ولكن أعجب من علمك بالطب؛ كيف هو؟ ومن أين هو؟

قال: فضربت على منكبه وقالت: أي عُرَيَّة؛ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسقم عند آخر عمره، أو في آخر عمره، فكانت تقدَم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له، فمن ثمَّ" أخرجه أحمد (24380).

ثانيًا:

أما التعرض للنساء بذكر بعض الأحكام الترهيبية المناسبة للمخالفات الشائعة منهن؛ فقد حصل تعرض للرجال أيضًا بالترهيب الناتج عن مخالفات شائعة منهم، لا تقع من النساء؛ لاختلاف الأدوار الدينية والاجتماعية، مثل الترهيب من التولي يوم الزحف، ومثل الترهيب من تضييع الرجل لمن كانت في رعايته وتحت مسؤوليته، ومثل حديث: ( أول من تسعر بهم النار ) ، وكلهم في الحديث رجال، ونماذج أخرى من تعرض الوحي لعقوبات تقع بسبب أدوار دينية واجتماعية، أكثر من يقوم بها هم الرجال.

فالتمييز في الأحكام وأنواع الخطاب ناتج عن الفرق في الطبيعة والخلقة والأدوار الاجتماعية والدينية، والتفريق الذي له أساس منطقي؛ مقبول فلا يُعقل أن تستوي الخطابات مع اختلاف الأدوار والمسؤوليات.

بل يأتي هذا التمييز أحيانًا لصالح المرأة، إذا كان دورها الاجتماعي أهم قيمة وأعظم أثرًا.

روى البخاري (5971)، ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ).

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": (25/10): "الأم مقدمة في البر على الأب".

ويرجى مراجعة جواب السؤال رقم: (70042)، وجواب السؤال رقم: (10001).

والله أعلم.

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب