تفسير البهتان المفترى بين الأيدي والأرجل

07-02-2018

السؤال 282601


في بيعة العقبة الأولي قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ( ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ) ما معني هذه الجملة؟ جزاكم الله كل خير

ملخص الجواب:

البهتان اسم عام يدخل فيه كل ما بهت صاحبه وحيره وأدهشه من قول أو فعل لم يكن في حسابه .

الجواب

الحمد لله.


روى عُبَادَةُ بْن الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: 
بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ
فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ . 
رواه البخاري (18) ومسلم (1709) ، واللفظ للبخاري . 
وأما الإتيان ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، فقد ورد أيضًا في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ  فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [الممتحنة: 12] . 
وعن عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ [الممتحنة: 12] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ . 
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ، قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ، مَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى، وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا . 
رواه البخاري (4891) ومسلم (1866) . 
فبالجمع بين الآية والحديثين يتبين أن هذا البهتان ليس مما يختص به النساء .
والصحيح أن "البهتان" : اسم عام ، يدخل فيه كل ما بهت صاحبه ، وحيره ، وأدهشه ، من قول أو فعل لم يكن في حسابه فهو بهتان .
وبعضه أشد من بعض، فيدخل فيه:
1- الزنا - عياذًا بالله - .
2- الغيبة، والنميمة .
3- قذف المحصنات .
4- قول الزور أو شهادة الزور .
وغيرها من أنواع البهتان .
قال الراغب الأصفهاني ، رحمه الله : " قال عزّ وجل: ( هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ ) [النور/ 16] . أي: كذب يبهت سامعه لفظاعته . قال تعالى: ( وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ) [الممتحنة/ 12] ، كناية عن الزنا . 
وقيل: بل ذلك لكل فعل مستبشع ، يتعاطينه باليد والرّجل ، من تناول ما لا يجوز ، والمشي إلى ما يقبح، ويقال: جاء بالبَهِيتَةِ، أي: بالكذب " . انتهى، من "المفردات" (148) . 
وقال ابن عطية في تفسير الآية: "قال أكثر المفسرين معناه: أن تنسب إلى زوجها ولدا ليس هو له . 
واللفظ أعم من هذا التخصيص" .انتهى، من المحرر الوجيز: (5/ 299) . 
وقال الطاهر: " وهذا من الكلام الجامع لمعان كثيرة ، باختلاف محامله" انتهى، من التحرير والتنوير: (28/ 167).
وقال ابن رجب: " وقد اختلف المفسرون في البهتان المذكور في آية بيعة النساء: 
فأكثرهم فسروه بإلحاق المرأة بزوجها ولدا من غيره ... .
واختلفوا في معنى قوله: "بين أيديهن وأرجلهن": فقيل لأن الولد إذا ولدته أمه سقط بين يديها ورجليها.
وقيل: بل أراد بما تفتريه بين يديها: أن تأخذ لقيطا فتلحقه بزوجها، وبما تفتريه بين رجليها: أن تلده من زنا ثم تلحقه بزوجها.
ومن المفسرين من فسر البهتان المفترى : بالسحر . 
ومنهم من فسره بالمشي بالنميمة ، والسعي في الفساد . 
ومنهم من فسره بالقذف والرمي بالباطل.
وقيل: البهتان المفترى يشمل ذلك كله ، وما كان في معناه . ورجحه ابن عطية وغيره. وهو الأظهر، فيدخل فيه كذب المرأة فيما اؤتمنت عليه من حمل وحيض وغير ذلك.
ومن هؤلاء من قال: أراد بما بين يديها: حفظ لسانها وفمها ووجهها عما لا يحل لها . 
وبما بين رجليها: حفظ فرجها، فيحرم عليها الافتراء ببهتان في ذلك كله.
ولو قيل: إن من الافتراء ببهتان بين يديها خيانة الزوج في ماله الذي في بيتها : لم يبعد ذلك.
وقد دل مبايعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجال على أن لا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم: أن ذلك لا يختص بالنساء . 
وجميع ما فسر به البهتان في حق النساء يدخل فيه الرجال - أيضًا -، فيدخل فيه استلحاق الرجل ولد غيره ، سواء كان لاحقًا غيره أو غير لاحق ، كولد الزنا . 
ويدخل فيه الكذب والغيبة .... 
ولكن ذكر مما فسر به البهتان المذكور في القرآن عدة خصال: السحر، والمشي ببريء على السلطان، وقذف المحصنات. 
وهذا يشعر بدخول ذلك كله في اسم البهتان. 
وكذلك الأحاديث التي ذكر فيها عدد الكبائر ، ذكر في بعضها القذف، وفي بعضها قول الزور أو شهادة الزور، وفي بعضها اليمين الغموس والسحر . 
وهذا كله من البهتان المفترى" . 
وانظر: فتح الباري، لابن رجب: (1/ 73 - 76)، بتصرف.
والخلاصة : 
أن الصحيح أن البهتان اسم عام يدخل فيه كل ما بهت صاحبه وحيره وأدهشه من قول أو فعل لم يكن في حسابه فهو بهتان .
والله أعلم 
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب