الحمد لله.
ينبغي أن نعرف أن الكناية عن المعاني : هو أسلوب عربي معروف ، وطريقة من طرائق العرب في بيانها وخطابها .
والكناية معناها في اللغة :
" أن تتكلم بالشيء، وتريد غيره، وهي مصدر كنيت بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به ...
ومعناها اصطلاحًا: لفظ أطلق، وأريد به لازم معناه الحقيقي، مع قرينة غير مانعة من إرادة هذا المعنى .
كما تقول: محمد طويل النجاد، فالمعنى الحقيقي لهذا اللفظ: هو أن نجاد محمد طويلة ، وليس هذا مرادًا, إنما المراد لازم هذا المعنى ، وهو أن محمدًا طويل القامة؛ إذ يلزم عادة من طول النجاد أن تكون القامة طويلة .
ويصح مع هذا إرادة المعنى الحقيقي أيضًا بأن يراد المعنيان معًا -طول النجاد " انتهى من "المنهاج الواضح للبلاغة" (149) . وينظر أيضا: "البلاغة العربية" لحبنكة (2/135) .
والذي يظهر لنا أن هذه العبارة ، هي من هذا الباب : باب الكنايات ، أو التعبيرات المجازية ، التي لا يراد بها حقيقة اللفظة ، وحَرْفية العبارة .
وإنما مراد القائل لها هنا ، فيما يظهر لنا : أنه قد تماثل للشفاء ، فدبت فيه روح الحياة ، بعد ما شارف الموت والعدم ؛ فكأن الله تعالى قد "نفخ في صورته" ، يعني : جثته التي كانت هامدة ، أو شارفت الهمود ، فأحياه بالشفاء ، كما يحي الموتى بالنفخ في "صورهم" ...
وقد يقال ذلك على وجه الدعاء ، لمن شارف الهلاك ، أو اشتد به المرض : " ربنا ينفخ في صورته " ؛ على هذا المعنى المجازي ، والتعبير الكنائي أيضا ؛ ومرادهم : الدعاء له بالشفاء ، وأن ينفخ الله الروح ، في هذه الجثة – الصورة – الهامدة .
وإطلاق العبارة ، إن أريد بهذا المعنى ، على ما هو الظاهر لنا : لا محذور فيه ولا حرج .
وإن كان الأولى ، بكل حال ، أن يعبر المرء في خبره ، وفي دعائه ، وفي سائر أمره ، بالألفاظ البينة الواضحة ، والعبارات الشرعية ، ويدع ما كان مجملا ، غير بين المعنى بنفسه .
ومن رابه في هذه الجملة شيء ، فليدعها ، وليلزم ما وضح وبين له .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ ) رواه الترمذي (2518) وغيره ، وصححه الألباني .
والله أعلم .