الحمد لله.
إذا كبر للصلاة بعد شروع الإمام في التسليمة الأولى ، وقبل تمامها ، ففيها عند جمهور أهل العلم قولان :
فجمع منهم يصحح الاقتداء بالإمام في هذه الحالة .
وبعضهم لا يصحح الاقتداء ؛ وقالوا : لأنه لا يصح أن تنويَ الائتمامَ به وهو قد شَرَعَ في التَّحلُّلِ مِن الصَّلاةِ .
جاء في "حاشية قليوبي" (1/199) :
"قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُسَلِّمْ) أَيْ يَشْرَعُ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ جَمَاعَةً, وَلَا فُرَادَى عِنْدَ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ، تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ شَرْحُهُ لَا يُفِيدُهُ .
وَعِنْدَ الْخَطِيبِ : تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ فُرَادَى .
وَعِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ : تَنْعَقِدُ جَمَاعَةً" انتهى .
ونقل ابن مفلح في "النكت والفوائد السنية" (1/160) :
"قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة : فَإِن كبر وَالْإِمَام فِي التسليمة الأولى... فَفِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا : يكون مدْركا ، لِأَنَّهُ كبر وَالْإِمَام فِي الصَّلَاة لم يُتمهَا ، لِأَن السَّلَام عندنَا مِنْهَا .
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح : لَا يكون مدْركا لَهُ ، وَبِه قَالَت الْحَنَفِيَّة ، لِأَنَّهُ لم يدْرك مَعَه مَا يجوز مُتَابَعَته فِيهِ ، بل صادفه فِي نفس الْخُرُوج والتحلل ، وَلِأَنَّهُ أحد طرفِي الصَّلَاة فَلم ينْعَقد إِحْرَام الْمُؤْتَم وَالْإِمَام فِيهِ كالتحريمة.
وَكَذَا الْوَجْهَانِ عندنَا إِذا كبر بعد التسليمة الأولى ، وَقبل الثَّانِيَة ، وَقُلْنَا بِوُجُوبِهَا .
فَأَما إن قُلْنَا إِنَّهَا سنة لم يدْرك الْجَمَاعَة وَجها وَاحِدًا . انْتهى كَلَامه" انتهى .
وقال المرداوي الحنبلي :
"وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ [ابن قدامة] أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهَا إذَا كَبَّرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ الْأُولَى، وَقَبْلَ سَلَامِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: يُدْرِكُهَا ".
انتهى من "الإنصاف" (2/222) .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
"لو جئتَ والإمامُ قد سلَّمَ التسليمةَ الأُولى فلا تدخلْ معه، حتى إنَّ الفقهاءَ رحمهم الله صَرَّحوا: بأنه لو دَخَلَ معه بعدَ التسليمةِ الأُولى فإنَّ صلاتَهُ لا تنعقدُ, ووَجَبَ عليه الإعادةُ؛ لأنَّه ـ أي: الإمامَ ـ لمَّا سَلَّمَ التسليمةَ الأُولى شَرَعَ في التَّحلُّلِ مِن الصَّلاةِ فلا يصحُّ أنْ تنويَ الائتمامَ به وهو قد شَرَعَ في التَّحلُّلِ مِن الصَّلاةِ" انتهى من "الشرح الممتع" (4/169) .
والخلاصة :
لهذه المسألة ثلاثة أحوال :
الأولى : إذا كان المسبوق قد شرع في التكبير قبل شروع الإمام في التسليم أو كان مقارنا له ، فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه .
الثانية : أن يكبر للصلاة وقد فرغ الإمام من التسليمة الأولى ، فأكثر أهل العلم على أن خروج الإمام من الصلاة حصل بالتسليمة الأولى .
ينظر جواب السؤال : (194530) .
الثالثة : أن يكبر للصلاة بعد شروع الإمام في التسليمة الأولى وقبل تمامها ، فإن الأولى له أن لا يدخل مع الإمام في الصلاة إذا رأى الإمام قد شرع في السلام ؛ لأنه صادفه وقد شَرَعَ في التَّحلُّلِ مِن الصَّلاةِ والخروج منها .
لكنه إن دخل مع الإمام في هذه الحالة فنرجو أن تكون صلاته صحيحة ، وهو قول الخطيب الشربيني ، من محققي الشافعية .
قال البجيرمي : " تنعقد صلاته فرادى ؛ لأنه بالشروع في السلام : اختلت القدوة .
ولا يلزم من بطلان القدوة ، بطلان أصل الصلاة . وهذا هو المعتمد ..".
انتهى من "حاشية شرح المنهج" (1/292-293) .
وعلى هذا ؛ فالأظهر : أن صلاتك صحيحة ولا يلزمك إعادتها إن شاء الله تعالى ، ولكن الأولى أن لا تدخل مع الإمام ، في هذه الحال ، مرة أخرى ، خروجا من خلاف من أبطل الصلاة من أصلها ، في مثل هذه الصورة .
والله أعلم .