ما حكم قول: (ببركة فلان) أو (ببركة مجيئك)؟

12-08-2024

السؤال 283904

هل يجوز قول عندما يزيد مثلا خير أو يأتي شيء مفاجيء نقول هذا ببركة فلان؟ أو نقول والله هذه الساعة المباركة اللي شفناك فيها؛ لأني سمعت أنها لا تجوز، وأريد التثبت من ذالك؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

البركة هي النماء والزيادة وحصول الخير . ينظر "مختار الصحاح" (ص33) .

والله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، ويجعل البركة فيما يشاء من خلقه ، وينزعها ممن يشاء.

فقد بارك سبحانه وتعالى في مكة والمدينة واليمن والشام والمسجد الأقصى وما حوله ، قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ .

وروى البخاري (2129)، ومسلم (1360) عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا، وَحَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ لَهَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِمَكَّةَ .

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا  رواه البخاري (3926) .

وقال صلى الله عليه وسلم:  اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا  ثلاثا .
وبارك في أزمنة عديدة كرمضان قال صلى الله عليه وسلم: أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ رواه النسائي (2106) ، وليلة القدر  إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ الدخان/3 .

وبارك في اللبن والتمر والخيل والغنم وغير ذلك.

وبارك في أنبيائه وعباده الصالحين قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام : وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ  سورة مريم/31.

ثانيا :

مخالطة الصالحين ومجاورتهم يحصل بها البركة والخير فيتعلمون منهم العلم والعمل ، ويسترشدون بأمرهم ونهيهم ، ويدفع الله عنهم العذاب ويحفظهم ببركة دعائهم وصلاحهم .

وقد حفظ الله مال يتيمين ببركة صلاح أبيهما كما في قصة موسى مع الخضر قال تعالى:  وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ سورة الكهف/82.

قال ابن رجب رحمه الله :

"وقد يحفظُ الله العبدَ بصلاحه بعدَ موته في ذريَّته ، كما قيل في قوله تعالى : (وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً) : أنَّهما حُفِظا بصلاح أبيهما" انتهى من "جامع العلوم والحِكَم" (ص 186).

قال تعالى:  وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ  سورة هود/117.

"قال ابن المنكدر : إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله، فما يزالون في حفظ من الله وستر" ينظر "جامع العلوم والحكم" (187) .

ولما ضاع عقد عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها ، ونزل بسبب ذلك رخصة التيمم ، قال أُسَيْدُ بْنُ الْحَضِيرِ: (مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ) متفق عليه .

ولكن لعظيم بركة النبي صلى الله عليه وسلم فإن بركته تستمد من ذاته ، وقد فاضت على ما انفصل منه من عرقه وبصاقه وشعره ، فهي تستمد من ذاته وما انفصل عنه صلى الله عليه وسلم .

وأما من سوى النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين والصالحين بعدهم ، ففيهم من البركة بقدر صلاحهم وتقواهم ، ولكنها قاصرة أن تكون مثل بركة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يتبرك بالتمسح بهم وبآثارهم وما انفصل عنهم ، بل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .

قال الشاطبي رحمه الله : " الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه السلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه ، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فهو كان خليفته ، ولم يُفعل به شيء من ذلك ، ولا عمر رضي الله عنهما ، وهو كان أفضل الأمة بعده ، ثم كذلك عثمان ، ثم عليثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة ، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبرِّكا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها  .

بل اقتصروا فيهم على : الاقتداء بالأفعال والأقوال والسِّيَر التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم .

فهو إذاً : إجماع منهم على ترك تلك الأشياء كلها " انتهى من "الاعتصام" (1/482) .

وينظر "الحكم الجديرة بالإذاعة" لابن رجب (ص55) .

وينظر جواب السؤال: (100105).

ثالثا:

إذا ثبت أن مخالطة الصالحين تحصل بها البركة ، فإن قول القائل عن شخص معين هذا من بركاتك ، أو حلّت علينا البركة بقدومك ونحو ذلك لا حرج فيه .

سئل الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - عن قول "كلك بركة"، أو "هذه من بركاتك" ؟

فأجاب :لا بأس بذلك، كما في قول أسيد بن حضير: "ما هي بأَول بركتكم يا آل أَبي بكر"، إذا تلمَّح أَن فيه البركات التي جعل الله فيه، أَو أَن الله الذي جعل فيه البركة ، والبركات" .

وقال رحمه الله : "الذوات جعل الله فيها ما جعل من البركة ، ولكن لا تصلح للتبرك بها ، إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، من أَبعاضه ، كرِيقه ، ولا يقاس على النبي صلى الله عليه وسلم غيره ، والصحابة ما فعلوا مع أَبي بكر وعمر من قصد البركة فيهما كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/103) .

وقيد الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، هذه النسبة للشخص المعين: بأن يكون له تسبب ظاهر في هذا "الخير". قال في تعليقه على قصة عائشة المذكورة:

" جواز قول ما هي بأول بركتك فإذا قيل يا فلان أنت مبارك. إذا كان له أثر فيها قال: هذا ‌من ‌بركة ‌فلان".

وقال أيضا: " إذا كان تسبّب شخص في خير لا بأس أن يقال له: هذا ‌من ‌بركة ‌فلان ". انتهى، من "الحلل الإبريزية في التعليقات البازية" (1/101)، (3/143).

والتقييد بذلك ظاهر، ولعله مراد من أطلق الجواز؛ وإلا، فالدعاوى لا يعجز عنها الناس!!

وهذا في معنى "قيد" الشيخ ابن عثيمين: أن يكون الشخص أهلا لذلك. قال رحمه الله:

"البركة يصح إضافتها إلى الإنسان إذا كان أهلا لذلك، قال أسيد بن حضير حين نزلت آية التيمم بسبب عقد عائشة الذي ضاع منها: (ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر) انتهى من "القول المفيد" (2/519) .

رابعاً:

بعض الناس، ممن يطلق هذه العبارات، يشيرون بها إلى معان باطلة، فينسبون البركة إلى من لا بركة فيه بوجه، كأن يكون كافرا، أو فاسقا لا خير من ورائه، أو ظالما باغيا، ونحو ذلك.

أو ينسبون قضاء الحوائج إلى الموتى، والغائبين، ونحو ذلك؛ مما لا أثر لبركته، إن كان فيه بركته، لا من جهة الشرع، ومن جهة الحس الظاهر، بأن يكون له تأثير سببي معلوم في الشيء المعين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " وقول القائل: ببركة الشيخ:

قد يعني بها دعاءه، وأسرع الدعاء إجابةً: دعاء غائب لغائب.

وقد يعني بها بركة ما أمره به، وعلمه من الخير.

وقد يعني بها بركة معاونته له على الحق، وموالاته في الدين، ونحو ذلك.

وهذه كلها معان صحيحة.

وقد يعني بها دعاءه للميت والغائب؛ أو استقلال الشيخ بذلك التأثير، أو فعله لما هو عاجز عنه، أو غير قادر عليه، أو غير قاصد له، [أو] متابعته، أو مطاوعته على ذلك - من البدع المنكرات -، ونحو هذه المعاني الباطلة.

والذي لا ريب فيه: أن العمل بطاعة الله تعالى، ودعاء المؤمنين بعضهم لبعض ونحو ذلك: هو نافع في الدنيا والآخرة وذلك بفضل الله ورحمته". انتهى، من "مجموع الفتاوى" (27/ 96).

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: عن قول العامة: "تباركت علينا؟"، "زارتنا البركة؟ ".

فأجاب : " قول العامة: "تباركت علينا" لا يريدون بهذا ما يريدونه بالنسبة إلى الله -عز وجل-، وإنما يريدون: أصابنا بركة من مجيئك.

والبركة يصح إضافتها إلى الإنسان، قال أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم بسبب عقد عائشة الذي ضاع منها قال: " ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر ".

وطلب البركة لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول : أن يكون طلب البركة بأمر شرعي معلوم، مثل القرآن الكريم قال الله تعالى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ؛ فمن بركته أن من أخذ به وجاهد به حصل له الفتح، فأنقذ الله به أمما كثيرة من الشرك، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشر حسنات، وهذه توفر للإنسان الجهد والوقت.

الأمر الثاني : أن يكون طلب البركة بأمر حسي معلوم، مثل العلم، فهذا الرجل يتبرك به بعلمه، ودعوته إلى الخير، قال أسيد بن حضير : "ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر "، فإن الله قد يجري على أيدي بعض الناس من أمور الخير ما لا يجريه على يد الآخر.

وهناك بركات موهومة باطلة، مثل ما يزعمه الدجالون: أن فلانا الميت الذي يزعمون أنه ولي أنزل عليكم من بركته، وما أشبه ذلك؛ فهذه بركة باطلة لا أثر لها.

وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر، لكنها لا تعدو أن تكون آثارا حسية، بحيث إن الشيطان يخدم هذا الشيخ فيكون في ذلك فتنة.

أما كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة؟

فيعرف ذلك بحال الشخص، فإن كان من أولياء الله المتقين المتبعين للسنة المبتعدين عن البدعة، فإن الله قد يجعل على يديه من الخير والبركة ما لا يحصل لغيره.

أما إن كان مخالفا للكتاب والسنة، أو يدعو إلى باطل، فإن بركته موهومة، وقد تضعها الشياطين له مساعدة على باطله". انتهى، من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (3/92).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (220964)، ورقم: (133637)، ورقم: (10083). 

والله أعلم.

المناهي اللفظية
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب