لماذا أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار يمتحنون ؟

17-02-2018

السؤال 284598

أعلم أن أطفال المسلمين إذا ماتوا يدخلون الجنة ، وأعلم أن أطفال الكفار إذا ماتوا يمتحنون ، فإما إلى جنة ، وإما إلى نار. السؤال : لماذا الله جعل أطفالا يدخلون الجنة بدون أي امتحان ، أي بدون أي تعب ، وجعل أطفال الكفار يمتحنون ؟ أليس الله هو الذي اختار من يكون والد هذا الطفل ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

أطفال المسلمين في الجنة إجماعا.

قال النووي رحمه الله : "أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة؛ لأنه ليس مكلفا" انتهى من "شرح مسلم" (16 / 207) .

وأما أطفال الكفار ففيهم خلاف ، والأظهر أنهم يمتحنون يوم القيامة.

وينظر: جواب السؤال رقم :(117432) ، ورقم : (6496) .

ثانيا:

يجب الاعتقاد بأن الله تعالى له الحكمة التامة ، والعدل التام، وأنه لا يُسأل عما يفعل سبحانه، وأن على المؤمن أن يسلم لأمر الله وحكمه ، سواء علم الحكمة منه ، أو لم يعلمها .

قال تعالى: ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء/ 23 .

وقال عز وجل: ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص/68 .

وقال: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ ، وَلَهُ فِيمَا خَلَقَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ، وَنِعْمَةٌ سَابِغَةٌ ، وَرَحْمَةٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ ، وَهُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ؛ لَا لِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ ، بَلْ لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا ، وَقَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/ 79) .

ومما يُلتمس من وجوه الحكمة هنا:

أن الأولاد في الأصل تبع لآبائهم، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21 .

هذا مع كون الطفل ليس مكلفا، فلا عجب أن يكون أطفال المسلمين في الجنة لهذا المعنى .

وأما أطفال الكفار، على القول بأنهم يمتحنون ، فقد نزلوا درجة ، لأن الأصل أن يتبعوا آباءهم، لكن اقتضت رحمة الله أن لا يكونوا معهم في النار، بل يمتحنون.

ولا شك أن الله اختار لهم آباءهم، لكن هؤلاء الآباء كفروا بإرادتهم، وأبناؤهم من كسبهم، والله أعلم بما كانوا عاملين، فربما لو بلغوا لكانوا كفارا .

وربما استفيد ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أولاد المشركين: (الله أعلم بما كانوا عاملين) رواه البخاري (1383) ، ومسلم (2660) .

وروى أبو داود (4712) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: (هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) .

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: (مِنْ آبَائِهِمْ) قُلْتُ: بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) .

وأما على القول بأنهم في الجنة، وهو قول قوي ذهب إليه جماعة من أهل العلم كالبخاري رحمه الله ، والنووي رحمه الله ، فلا إشكال ، فهم في الجنة لأنهم ماتوا قبل البلوغ والتكليف .

ولا ينبغي الخوض في هذا الأمر الغيبي ، ولا التنقير في أمور القدر، بل يجب الإيمان والتسليم.

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التسليم والاستسلام ، فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ، حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خالص التوحيد ، وصافي المعرفة ، وصحيح الإيمان ، فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ ، وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ ، وَالْإِقْرَارِ والإنكار ، موسوساً ، تائها ، شاكا ، لا مؤمنا مصدقا ، ولا جاحدا مكذبا" انتهى.

والله أعلم.

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب