الحمد لله.
لكن إن سلمت نفسها ، ورضيت بتأجيل المهر ، ودخل بها ؛ فإن جمهور أهل العلم على أنه لا يحق لها أن تمنع نفسها منه بعد ذلك ، حتى لو حل الأجل وهو يماطل ، ولم يسلّم ، لأنها رضيت بذلك أول الأمر .
لكن لها ترفع أمره إلى القاضي ليحبسه على ذلك .
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى القول بأن لها أن تمتنع منه .
قال ابن قدامة :
"فَإِنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ قَبْضِهِ، ثُمَّ أَرَادَتْ مَنَعَ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَهُ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ الْجَوَابِ فِيهَا.
وَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا : إلَى أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ اسْتَقَرَّ بِهِ الْعِوَضُ بِرِضَى الْمُسَلِّمِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ.
وَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، إلَى أَنَّ لَهَا ذَلِكَ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ يُوجِبُهُ عَلَيْهَا عَقْدُ النِّكَاحِ، فَمَلَكَتْ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِ صَدَاقِهَا" انتهى من المغني لابن قدامة (7/ 261).
والأقرب : أن لها أن تمتنع عن زوجها ، استخلاصا لحقها، إذا مطلها به ، ولم يمكنها أن تستخلصه إلا بذلك ، ومعاملةً له بالمثل ؛ فكما أنه منعها من حقها ، فلها أن تجازيه بالمثل وتمنعه من حقه .
قال الشيخ ابن عثيمين :
" إذا سلمت نفسها تبرعاً في الحال؛ ثقة بالزوج ، على أنه سيسلم المهر، ثم ماطل به، فالمذهب ليس لها أن تمنع نفسها؛ لأنها رضيت بالتسليم بدون شرط، فلا يمكن أن ترجع، ولكن تطالبه، وتحبسه على ذلك.
والصحيح أن لها أن تمنع نفسها؛ لأن الرجل إذا ماطل ، لا نمكنه من استيفاء الحق كاملاً؛ لأنه لا يمكن أن نجعل جزاء الإحسان إساءة، ولا يمكن أن نخالف بين الزوجين ، فنعامل هذا بالعدل، وهذا بالظلم .
فنقول: كما امتنع مما يجب عليه، فلها أن تمتنع" انتهى من "الممتع" (12/317) .
لكن .. لا ينبغي أن تصل المعاملة بين الزوجين إلى هذا الحد ، فإن الأسرة تكون بذلك قريبة من الإنهيار .
فينبغي التفاهم والتسامح والتحاور بهدوء، ويجب على كل واحد منهما أن يؤدي إلى الآخر حقه .
وليس للمرأة أن تمتنع عن فراش زوجها ، إذا طلبها ، لأجل ما ذكرت من عدم رغبتها ، أو ضعف الهرمونات ، أو نحو ذلك ، وتتعلل بقضية المهر ؛ بل متى كانت تريد مهرها ، فله أن تطلبه على الوجه المشروع كما سبق ؛ وإلا ، فلتعط حقها لزوجها ، وتجتهد في ذلك ، وتحتسب الأجر في مطاوعة الزوج ، وإعفافه بالحلال ، حتى ولو لم تكن لها رغبة دافعة لذلك .
ويشرع لها أن تعالج نفسها ، لزيادة الهرمونات الناقصة ، لتكمل لزوجها حقه ، وتعاشره بالمعروف .
ثم تتجمل له ، وتتصنع ، وتلاعبه ، ويلاعبها ، وتستعين بكل أمر مباح ، يعينها على هذه الطاعة : معاشرة الزوج بالمعروف ، وإعفافه بما أحل الله له .
والله أعلم .