الحمد لله.
أولاً:
الذي وقفنا عليه مسندا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنها مسحت جميع رأسها ، فقد روى النسائي (100) عن عائشة: " أنها وَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً إِلَى مُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ أَمَرَّتْ يَدَهَا بِأُذُنَيْهَا" الحديث، وصحح إسناده الألباني في "صحيح سنن النسائي" .
لكن صح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس .
روى عبد الرزاق (1/6) عن نافع: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْوَضُوءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً الْيَافُوخَ قَطْ ".
وروى ابن أبي شيبة (1/22) بأسانيد صحيحة عن ابن عمر: "أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً" .
قال ابن حجر : "وَصَحَّ عَن ابن عمر الِاكْتِفَاء بمسح بعض الرَّأْس ، قَالَه ابن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَة إِنْكَار ذَلِك ، قَالَه ابن حَزْمٍ " انتهى من "فتح الباري" (1/293).
وقد روي عَنْ جماعة من التابعين الترخيص في ذلك ، فروي عن عَطَاءٍ، فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَمْسَحَ رَأْسَهَا، قَالَ: "تُدْخِلُ يَدَيْهَا تَحْتَ الْخِمَارِ، فَتَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهَا؛ يُجْزِئُ عَنْهَا". رواه ابن أبي شيبة (1/30) .
وروي عنه مرفوعا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ" رواه ابن أبي شيبة (1/160) وغيره ، ولكنه مرسل ، ومراسيل عطاء من أضعف المراسيل .
وأما ما روي عن عائشة رضي الله عنها من أنها كانت تمسح مقدم رأسها ، فلم نجده في الكتب المسندة ، لكن ذكره الإمام أحمد محتجا به.
قال في المغني : "وَقَالَ مُهَنَّا: قَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَسْهَلَ، قُلْت لَهُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهَا" انتهى من "المغني" (1/86) .
ثانياً:
أما عن مسح الرأس للمرأة ، فللإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فيه روايتان :
الرواية الأولى: أنها هي والرجل سواء في مسح الرأس ، فيجب الاستيعاب .
الرواية الثانية: أنها تمسح جزءا من رأسها، بخلاف الرجل، وهذه الرواية صححها كثير من أتباع الإمام أحمد . ينظر "المغني" (1/87) .
وسبب تخفيف الإمام أحمد في مسح الرأس للمرأة : الاختلاف في أصل المسألة ، إضافة إلى ما احتج به رحمه الله من فعل عائشة رضي الله عنها .
قال حرب الكرماني :
" سئل أحمد : كيف تمسح المرأة برأسها؟ قال "من تحت الخمار، ولا تمسح على الخمار.
قيل له : فتمسح الرأس كله؟
قال: قد قال بعضهم: تمسح مقدم رأسها، واختلفوا فيه.
فكأنه رخص فيه، ومذهبه: أن تمسح الرأس" انتهى من "مسائل حرب" ص(125).
والأولى عدم الاقتصار على مقدم الرأس ؛ لقوة الأدلة الدالة على استيعاب الرأس في المسح ، وعدم وجود أدلة صحيحة صريحة مرفوعة في الرخصة في ذلك .
قال ابن القيم : "وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ [يعني النبي صلى الله عليه وسلم] فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ الْبَتَّةَ، وَلَكِنْ كَانَ إِذَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ كَمَّلَ عَلَى الْعِمَامَةِ" انتهى من "زاد المعاد" (1/187) .
ومن أخذ بالقول بالتخفيف عن المرأة في مسح الرأس فلا ينكر عليه ؛ لقوة الخلاف في المسألة ؛ مع أن القول المختار في موقعنا هو القول باستيعاب الرأس بالمسح .
وسُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
هل يسن للمرأة عند مسح رأسها في الوضوء أن تبدأ من مقدم الرأس إلى مؤخره ثم ترجع إلى مقدم الرأس كالرجل في ذلك ؟
فأجاب:
"نعم . لأن الأصل في الأحكام الشرعية أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء، والعكس بالعكس ، ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلى بدليل ، ولا أعلم دليلاً يخصص المرأة في هذا.
وعلى هذا؛ فتمسح من مقدم الرأس إلى مؤخره ، وإن كان الشعر طويلاً فلن يتأثر بذلك ، لأنه ليس المعنى أن تضغط بقوة على الشعر حتى يتبلل أو يصعد إلى قمة الرأس ، إنما هو مسح بهدوء" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/151) .
وينظر جواب السؤال: (147140).
والله أعلم.