هناك بعض الإخوة بدأوا مجموعة تتضمن 8 أشخاص، كل واحد يدفع 150 دولار، ثم يأخذ المبلغ الشخص الذي في أعلى القائمة، ثم يأتي الذي بعده، ويأتي بسبعة أشخاص جدد، ويأخذ من كل واحد من هذه السبعة 150 دولار، حتى يحصل له مثل ما حصل للشخص الذي كان فوقه في القائمة، ويمشي، هكذا.
فهل هذا جائز؛ لأن الإخوة يقولون: الذي لا يستطيع أن يأتي بسبعة أشخاص جدد حتى يحصل على المبلغ الكبير، يرجع له 150 دولار الذي دفع في البداية.
فهل يعد هذا من القمار؟ وهل هذا من ربا الفضل؟ وما الفرق بين القمار والاستثمار والتجارة؛ لأن كل واحد منهم لا يدري هل يربح أو يخسر؟
الحمد لله.
ما يأخذه الشخص الذي في أعلا القائمة من زملائه، إن كان على سبيل القرض، وأنه سيرده إليهم، بحيث يدفع 150 دولارا لمن بعده كل شهر إلى نهاية سبعة أشهر، وهكذا يفعل كل واحد من زملائه، فلا حرج في ذلك، وهو ما يسمى بجمعية الموظفين.
وانظر في جوازها: جواب السؤال رقم: (130147).
وأما إن كان لا يلتزم برد المال إليهم، بل يسعى كل واحد منهم لجلب سبعة أشخاص آخرين، فإن عجز عن ذلك أعطاه 150 دولارا، فهذا من أكل المال بالباطل؛ إذ لا وجه لأخذه المال ابتداء من أصحابه، فلا هو بيع ولا هبة ولا قرض، وقد قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29.
فما لم يكن هناك سبب مشروع لأخذ المال، فهو محرم.
والصورة المذكورة صورة مبتكرة من الغرر والميسر، فيبدأ كل عضو في البحث عن سبعة يأخذ مالهم بغير وجهة حق، ثم الواحد منهم يبحث عن سبعة يأكل مالهم بالباطل، فإن لم يجدهم رجع على الذي قبله.
وإذا نجحوا جميعا في مسعاهم، فإن الأعلى يكون قد أخذ مالا بغير وجه. والثاني يكون دفع 150 وأخذ 1050 بغير وجه حق وهكذا.
وهذا ما يطمح إليه المقامرون؛ أن يدفع الواحد مبلغا يسيرا، على أن يجني أضعافه بغير حق.
وإلا لو أرادوا التعاون، وألا يأخذ الإنسان إلا قدر ما دفع، لأقاموا جمعية الموظفين التي ذكرناها أولا، أو ما يشبهها. أو جعلوا لهم صندوقا للتكافل فيما بينهم، أو نحو ذلك.
ثانيا:
الفرق بين التجارة والقمار أمر بين، فالتجارة معاملة مشروعة من بيع أو إجارة أو شركة، وفق شروط، منها : عدم الغرر، فيملك سلعة معلومة في البيع مثلا، لا غرر فيها ولا مقامرة، وإلا فلا يجوز أن يشتري، مع الغرر والمقامرة، كشراء الجمل الشارد، والطير في الهواء، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
روى مسلم (1513) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : “نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ”.
قال النووي رحمه الله في “شرح مسلم”: ” وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع، وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة، كَبَيْعِ الْآبِق وَالْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول وَمَا لَا يَقْدِر عَلَى تَسْلِيمه، وَمَا لَمْ يَتِمّ مِلْك الْبَائِع عَلَيْهِ وَبَيْع السَّمَك فِي الْمَاء الْكَثِير” انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: ” والأصل في هذا «نهي النبي – صلى الله عليه وسلم – عن بيع الغرر». وقيل في تفسيره: هو بيع الطير في الهواء، والسمك في الماء. ولا نعلم في هذا خلافا” انتهى من “المغني” (4/ 151).
فإذا ملك المرء السلعة ملكا صحيحا، وأراد أن يتاجر فيها، فقد يبيعها بأزيد أو بأنقص، فيربح أو يخسر، لكنه يبيع في كل مرة بيعا صحيحا خاليا من الغرر والمقامرة.
فالتجارة المشروعة فيها ربح وخسارة، لكنها تقوم على عقود صحيحة لا غرر فيها.
وأما القمار فهو من أساسه قائم على الغرر، فيدفع مالا في غير مقابل، على احتمال أن يخسره أو أن يأخذ أكثر منه. ولا وجه لاستحقاقه الزيادة، إلا الحظ! فلا تعب ولا جهد، ولا سلعة ينميها ويتجر فيها، ولهذا سمي (الميسر) لأنه مال يأتي بيسر وسهولة.
وهذا الميسر يتضمن مفاسد عدة، منها البطالة وترك السعي والاتجار والكسب، ومنها تضييع المال في غير شيء، ومنها العداوة والبغضاء والحسد لأنه يرى صاحبه قد أكل ماله ومال غيره بضربة حظ! إلى غير ذلك من المفاسد التي تعود على الاقتصاد والمجتمع.
ولهذا أباحت الشريعة التجارة، وحرمت المقامرة، كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29.
وقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) المائدة/90- 91.
والله أعلم.