حديث كتاب الله وعترتي أم سنتي؟

24-07-2018

السؤال 291006

بماذا تردون على من يقول: (كتاب الله وسنتي أم وعترتي)، لماذا يكذبون على الرسول ولا يذكرون الصحيح: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي) هذا الحديث لا وجود له لا في البخاري، ولا مسلم، ولا مسند أحمد، ولا الترمذي، ولا ابن تيمية، ولا ابن كثير، ولا السيوطي، ولم يصححه الألباني ؟ ويخالف ما قالوا به: (تركت فيكم كتاب)؛ لأنهم يقولون: لم يترك النبي القرآن مجموع بل جمعه عثمان، فكيف يقول: (تركت كتاب الله وسنتي) ولم تدون السنة إلا بعد وفاة النبي ولم يكن أبو هريره يجرؤ على التحديث عن النبي إلا بعد وفاة عمر، بينما يصححون في كتبهم حديث كتاب الله وعترتي آل بيتي.

ملخص الجواب:

1- حديث الثقلين لا يصح فيه غير لفظ رواية مسلم ويستفاد من الحديث تسمية كتاب الله وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالثقلين، والأمر باتباع كتاب الله والأخذ به والوصية بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. ليس فيما صح من الحديث الأمر باتباع العترة بل مطلق الوصية بهم ومودتهم ومراعاة حقوقهم.

2- حديث) كتاب الله وسنتي( روي من غير وجه  وكلها لا يثبت سوى حديث ابن عباس، فإنه صحيح. حتى لو لم يرد حديث ) كتاب الله وسنتي) فإن معناه صحيح متفق عليه بخلاف حديث العترة فإن أكثر أهل العلم على أن العصمة في كلام الله، وكلام رسوله وإجماع الأمة وأن إجماع العترة ليس حجة على القول الصحيح فضلا عن قول بعضهم أو عملهم.

الجواب

الحمد لله.

مفهوم حديث الثقلين

ما ذكره السائل فيما يتعلق بحديث: كتاب الله وعترتي، وحديث: كتاب الله وسنتي: جوابه كما يلي:

أما الحديث الأول وهو حديث: كتاب الله وعترتي ، والذي ذكره السائل، ونقل عن هؤلاء أن أهل السنة لا يذكرونه مع أنه صحيح، فهذا باطل من وجوه:

روايات حديث كتاب الله وعترتي

هذا الحديث رواه جمع من الصحابة هم (زيد بن أرقم – أبو سعيد الخدري – جابر بن عبد الله – حذيفة بن أسيد – زيد بن ثابت –– علي بن أبي طالب)، وأشهرهم في روايته زيد بن أرقم.

أما حديث زيد بن أرقم فقد رواه عنه جمع بألفاظ مختلفة:

وموضع الشاهد من الرواية هو قوله صلى الله عليه وسلم: وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ  فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي.

فيستفاد من ذلك ما يلي:

  1. تسمية كتاب الله، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالثقلين.
  2. الأمر باتباع كتاب الله والأخذ به.
  3. الوصية بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

وليس في شيء من طرق الحديث: الأمر باتباع العترة، بل إنما فيه مطلق الوصية بهم، ومودتهم، ومراعاة حقوقهم.

قال شيخ الإسلام في “منهاج السنة النبوية” (7/318):” وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ إِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَهُ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْوَصِيَّةُ بِاتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَقَدَّمَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِاتِّبَاعِ الْعِتْرَةِ، وَلَكِنْ قَالَ:” أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي “، وَتَذْكِيرُ الْأُمَّةِ بِهِمْ يَقْتَضِي أَنْ يَذْكُرُوا مَا تَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ إِعْطَائِهِمْ حُقُوقَهُمْ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ ظُلْمِهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ ” انتهى.

وهذه الرواية لا تزيد في المعنى شيئا عن الرواية الأولى.

وإسناده ضعيف. فيه: حبيب بن أبي ثابت، ثقة لكنه مدلس، ولم يثبت سماعه إلا من ابن عباس وعائشة.

قال علي بن المديني: “حبيب بن أبي ثابت لقي ابن عباس، وسمع من عائشة، ولم يسمع من غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم “. انتهى من “جامع التحصيل” للعلائي (117).

وفيه: الأعمش، وهو ثقة، لكنه مدلس مشهور بالتدليس أيضا، وقد عنعن.

وإسناده واه، فيه محمد بن سلمة بن كهيل، قال الجوزجاني في “أحوال الرجال” (ص 86):” ذاهب الحديث “انتهى.

وقال ابن عدي:” وَكَانَ مِمَّنْ يُعَدُّ مِنْ مُتَشَيِّعِي الْكُوفَةِ ” انتهى من “الكامل” (7/445).

وهذا الطريق منكر، فيه الحسن بن عبيد الله النخعي، قال فيه البخاري: “لم أخرج حديث الحسن بن عبيد الله لأن عامة حديثه مضطرب.” انتهى من “تهذيب التهذيب” (2/292).

وفي بعض هذه الروايات زيادة في المعنى عن الرواية الأولى، وهي الأمر بالتمسك بكتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض، إلا أن هذه الروايات لم تصح كما بينا.

وإسناده ضعيف، فيه كامل بن العلاء أبو العلاء، ذكر ابن حبان في “المجروحين” (2/227)، وقال فيه:” كَانَ مِمَّن يقلب الْأَسَانِيد وَيرْفَع الْمَرَاسِيل من حَيْثُ لَا يدْرِي فَلَمَّا فحش ذَلِك من أَفعاله بَطل الِاحْتِجَاج بأخباره “. انتهى، وترجم له ابن عدي في “الكامل” (7/223)، وذكر هذا الحديث من مناكيره.

ثم: ليس في هذه الرواية ذكر للعترة، ولا أهل البيت.

موقف أهل السنة من الحديث

ومما سبق يتبين أنه لم يصح عن زيد بن أرقم إلا رواية مسلم الأولى، والرواية الثانية، وليس فيهما غير تسمية كتاب الله وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالثقلين، والأمر باتباع كتاب الله، والوصية بآل البيت النبوي.

وإسناده ضعيف، فيه عطية بن سعد العوفي، قال الذهبي في “ديوان الضعفاء” (2843):” مجمع على ضعفه”.انتهى، وقال ابن حبان في “المجروحين” (2/176):” لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَا كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب “. انتهى

وهذا الطريق أعله الإمام أحمد، كما في “المنتخب من العلل للخلال” (117)، وقال بعد أن رواه:” أَحَادِيثُ الْكُوفِيِّينَ هذه مناكير “. انتهى

وإسناده ضعيف جدا، فيه زيد بن الحسن الأنماطي، قال فيه أبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (3/560):” منكر الحديث “. انتهى.

وإسناده ضعيف، فيه معروف بن خربوذ، ضعفه ابن معين كما في “الجرح والتعديل” (8/321)، وكان شيعيا.

وفيه زيد بن الحسن الأنماطي، منكر الحديث كما قال أبو حاتم في “الجرح والتعديل” (3/560).

إسناده لا يصح، فيه القاسم بن حسان، قال فيه البخاري:” حديثه منكر، ولا يعرف “. انتهى من “ميزان الاعتدال” (3/369).

وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فروي عنه من طريقين:

الأول: أخرجه ابن أبي عاصم في “السنة” (1558)، من طريق كَثِير بْن زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ سَبَبُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَسَبَبُهُ بِأَيْدِيكُمْ، وَأَهْلَ بَيْتِي.

وإسناده ضعيف. فيه محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، مجهول الحال، ذكره ابن سعد في “الطبقات” (5/329)، والبخاري في “التاريخ الكبير” (1/177)، وابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (8/18)، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.

وفيه كثير بن زيد، ضعفه النسائي كما في “الضعفاء والمتروكين” (505).

الثاني: أخرجه البزار في “مسنده” (864)، من طريق علي بن ثابت، قال: حَدَّثَنَا سعاد بن سليمان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني مقبوض، وإني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله، وأهل بيتي، وإنكم لن تضلوا بعدهما، وإنه لن تقوم الساعة حتى يبتغى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تبتغى الضالة، فلا توجد.

وإسناده لا يصح أيضا، فيه الحارث بن عبد الله الأعور، اتهمه الشعبي وعلي بن المديني وأبو خيثمة بالكذب، وضعفه أكثر أهل العلم، انظر “الجرح والتعديل” (3/79(.

وفيه كذلك: أبو إسحاق السبيعي، وهو مدلس، وقد عنعن.

وفيه كذلك: سعاد بن سليمان، قال أبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (4/324):” كان من عتق الشيعة وليس بقوي في الحديث “. انتهى.

فتبين مما سبق أن جميع هذه الأحاديث والتي فيها الأمر باتباع الكتاب وآل البيت لم تصح، وإنما الصحيح منها، وصف الكتاب وآل البيت بالثقلين، والأمر باتباع كتاب الله، والوصية بآل البيت.

وهذا كله لا إشكال فيه من ناحية المعنى؛ لأن معنى وصفهما بـ”الثقلين”: عِظَم وثِقَل شأنهما، وثقل العمل بهما، فأما ثقل العمل بالقرآن فلأنه دين الله القويم، وأما ثقل الوصية بآل بيته صلى الله عليه وسلم، فمقصوده: تعظيم حقهم، والتأكيد على محبتهم وموالاتهم، وهذا أمر عظيم الشأن عند الله تعالى، وهو كذلك يثقل على كثير من الناس فعله.

قال المازري في “المعلم بفوائد مسلم” (3/247):” قال أبو العباس ثعلب سَماهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “ثَقَلَين”: لأنّ الأخذ بهما، والعمل بهما ثَقِيل.

والعرب تقول لكلّ خطير نفيس: ثَقَل. فجعلهما ثقلين، إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما “. انتهى.

وقال النووي في “شرح صحيح مسلم” (15/180):” قَالَ الْعُلَمَاءُ: سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ لِعِظَمِهِمَا، وَكَبِيرِ شَأْنِهِمَا، وَقِيلَ لِثِقَلِ الْعَمَلِ بِهِمَا “. انتهى

وقال أبو العباس القرطبي في “المفهم لما أشكل من كتاب تلخيص مسلم” (20/50):” فكأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما سمَّى كتاب الله، وأهل بيته: ثقلين لنفاستهما، وعظم حرمتهما، وصعوبة القيام بحقهما “.

أهمية اتباع كتاب الله وأهل البيت

ومما يؤكد أن الاتباع إنما هو لكتاب الله، ما جاء في كثير من الأحاديث بالأمر باتباع الكتاب والاعتصام والتمسك به.

ومن هذه الأحاديث:

وأما على فرض صحة الحديث بلفظ: وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ

فهذا فيه معنيان:

  1. الأول: معنى عدم تفرقهما أي يوم القيامة، حيث يأتيان معا حتى يردا على النبي صلى الله عليه وسلم الحوض، فيشكران من أدى حقهما في الدنيا، وحق القرآن الاتباع، وحق الآل محبتهم وصلتهم وموالاتهم.

قال الطيبي في “شرح المشكاة” (12/3909):” ومعنى التمسك بالقرآن العمل بما فيه، وهو الائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، والتمسك بالعترة: محبتهم والاهتداء بهديتهم وسيرتهم. وفي قوله: (إني تارك فيكم) إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخليفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يوصي الأمة بحسن المخالفة معهما وإيثار حقهما في أنفسهم، كما يوصي الأب المشفق الناس في حق أولاده، ويعضده الحديث السابق في الفصل الأول: (أذكركم الله في أهل بيتي) كما يقول الأب المشفق: (الله الله في حق أولادي).

ومعنى كون أحدهما أعظم من الآخر: أن القرآن هو أسوة للعترة وعليهم الاقتداء به، وهم أولى الناس بالعمل بما فيه.

ولعل السر في هذه التوصية، واقتران العترة بالقرآن: أن إيجاب محبتهم لا تخلو من معنى قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى، فإنه تعالى جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن، منوطاً بمحبتهم على سبيل الحصر، فكأنه صلوات الله عليه يوصي الأمة بقيام الشكر، وقيد تلك النعمة به، ويحذرهم عن الكفران.

فمن أقام بالوصية، وشكر تلك الصنيعة، بحسن الخلافة فيهما: (لن يتفرقا)؛ فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها، حتى يردا الحوض، فيشكرا صنيعَه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينئذ هو بنفسه يكافئه، والله تعالى يجازيه بالجزاء الأوفى، ومن أضاع الوصية، وكفر النعمة: فحكمه على العكس.

وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله: (فانظروا كيف تخلفوني فيهما)، والنظر بمعنى التأمل والتفكر، أي تأملوا، واستعملوا الروية في استخلافي إياكم، هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء؟ “انتهى.

  1. المعنى الثاني: أن إجماع علمائهم حجة، وهي مسألة خلافية بين أهل العلم، وبعض من يرى ذلك من أهل السنة قد يحتج بهذا الحديث، ومع ذلك لا يدل على عصمة آحادهم أو عصمة علي رضي الله عنه كما يدعي الرافضة.

قال شيخ الإسلام في “منهاج السنة النبوية” (7/393):” وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَأَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ” فَهَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَضَعَّفَهُ وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالُوا: لَا يَصِحُّ.

وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ طَائِفَةٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ كُلَّهَمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ، قَالُوا: وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ.

وَلَكِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَمْ يَتَّفِقُوا – وَلِلَّهِ الْحَمْدُ – عَلَى شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ، بَلْ هُمُ الْمُبَرَّءُونَ الْمُنَزَّهُونَ عَنِ التَّدَنُّسِ بِشَيْءٍ مِنْهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ عِتْرَتِهِ: إِنَّهَا وَالْكِتَابُ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيْهِ الْحَوْضَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ حُجَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ.

لَكِنَّ الْعِتْرَةَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ كُلُّهُمْ: وَلَدُ الْعَبَّاسِ، وَوَلَدُ عَلِيٍّ، وَوَلَدُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَسَائِرُ بَنِي أَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَلِيٌّ وَحْدَهُ لَيْسَ هُوَ الْعِتْرَةَ، وَسَيِّدُ الْعِتْرَةِ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

يُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّ عُلَمَاءَ الْعِتْرَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَكُونُوا يُوجِبُونَ اتِّبَاعَ عَلِيٍّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ، وَلَا كَانَ عَلِيٌّ يُوجِبُ عَلَى النَّاسِ طَاعَتَهُ فِي كُلِّ مَا يُفْتِي بِهِ، وَلَا عُرِفَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ – لَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا غَيْرِهِمْ – قَالَ: إِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُ عَلِيٍّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ “. انتهى

وقال الصنعاني في “التنوير في شرح الجامع الصغير” (4/215):” وقد جعل دليلاً على اتباع إجماعهم؛ لأن أفرادهم لا يجب إتباعهم…

قال الحكيم: المراد بعترته: العلماء العاملون منهم؛ أنهم لا يفارقون القرآن.

وأما نحو الجاهل، والعالم المخلِّط: فإنه أجنبي من هذا المقام “. انتهى

روايات حديث (كتاب الله وسنتي)

وأما حديث (كتاب الله وسنتي):

فقد أورده الإمام مالك في “الموطأ” (3338) بلاغا، ولم يذكر له إسنادا.

وقد رُوي الحديث من عدة طرق:

أخرجه الدارقطني في “السنن” (4/245)، والبزار في “مسنده” (8993)، والحاكم في “المستدرك” (319)، وأبو بكر الشافعي في “الغيلانيات” (632)، والبيهقي في “السنن الكبرى” (20337)، من طريق صَالِح بْن مُوسَى الطَّلْحِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ.

وإسناده ضعيف جدا.  فيه: صالح بن موسى الطلحي، ضعيف جدا، ترجم له الذهبي في “ميزان الاعتدال” (2/302) وقال:” قال يحيى: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك “. انتهى

أخرجه ابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله” (951)، من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وإسناده واه، فيه: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، قال الذهبي في “تاريخ الإسلام” (4/485):” اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَضَرَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى حَدِيثِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ ” انتهى.

أخرجه الحاكم في “المستدرك” (318)، والبيهقي في “السنن الكبرى” (20838)، من طريق إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْسٍ، قال حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ..

وأخرجه الآجري في “الشريعة” (1704)، من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنِ الزُّهْرِيِّ.

كلاهما (ثور بن زيد – الزهري)، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: قَدْ يَئِسَ الشَّيْطَانُ بِأَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ وَلَكِنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَاقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ مُسْلِمٌ، الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تَرْجِعُوا مِنْ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ .

وإسناده صحيح.

وقوله صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة:إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لا يعكر عليه أنه لم يُذكر في حديث جابر المشهور، والذي ذكر فيه خطبته صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، وجاء فيه أنه قال: وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ ، ولم يذكر فيه:(وسنة نبيه). وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع ثلاث مرات: يوم عرفة، ويوم النحر، وفي أوسط أيام التشريق.

ويغلب على الظن أن ما نقله ابن عباس كان عن خطبته صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فإن الترمذي روى في “سننه” (2159)، من طريق سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ لِلنَّاسِ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ فِي بِلاَدِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَسَيَرْضَى بِهِ.

وسياقه قريب من سياق حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ولذا فالراجح صحة هذا الحديث من طريق ابن عباس، والله أعلم.

قال ابن عبد البر في “التمهيد” (24/331) عن هذا الحديث:” مَحْفُوظٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، شُهْرَةً يَكَادُ يُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ “. انتهى

والحديث صححه الشيخ الألباني في “صحيح الجامع” (2937).

ثم إنه على تقدير عدم ثبوت هذا اللفظ، من حيث الرواية والصنعة الحديثية؛ فإن ذلك المعنى مقرر في الشرع، معلوم من دين الإسلام بالضرورة، لا يحتاجه علمه والإيمان به إلى تقرير وبيان، لعامي، ولا غافل عن ذلك الشأن؛ فضلا عن طلاب العلم وأهله !!

وقد قال الله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا النساء/59.

وقال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا النساء/65.

فهل يقال بعد ذلك: إنه لا يرجع إلى كتاب الله، ولا يعتصم به: لأنه المصحف لم يكن مجموعا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟!

ولا يعتصم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن السنة لم تكن مجموعة على عهده صلى الله عليه وسلم؟!

وهل هذا إلا الانسلاخ من الدين، والانخلاع من ربقة الإسلام رأسا؛ إذا ترك كتاب الله، وتركت سنته، وترك الاعتصام بهما؛ فبأي شيء يعتصم الناس ؟ وعلى أي شيء يعولون ؟!

فيتلخص مما سبق ما يلي:

وينظر للفائدة: مقال مفيد لفضيلة الشيخ علوي السقاف، حفظه الله، حول حديث الثقلين، رواية، ودراية.

وينظر كذلك هذه الأجوبة: (154865، 195801، 209483، 249333).

والله أعلم.

الحديث وعلومه
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب