الحمد لله.
لا حرج في تشبيه بعض الأشياء بالسحر، أو القول بأنها سحر، إشارة إلى قوة تأثيرها في النفوس، كقولهم: علاج سحري، أو حل سحري، أو أمسية ساحرة، أو صورة ساحرة.
وقد جاء في السنة وصف بعض البيان بأنه سحر؛ لشدة تأثيره، فقد روى البخاري (5767) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ قَدِمَ رَجُلَانِ مِنَ المَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا، أَوْ: إِنَّ بَعْضَ البَيَانِ لَسِحْرٌ .
وقوله: (من المشرق) أي من جهة الشرق وكانت سكنى بني تميم من جهة العراق.
قال ابن بطال رحمه الله في شرحه على "البخاري" (9/ 448): "ومعنى ذلك أنه يعمل فى استمالة النفوس ما يعمل السحر من استهوائها، فهو سحر على معنى التشبيه، لا أنه السحر الذي هو الباطل الحرام، والله أعلم" انتهى.
وقال ابن الأثير رحمه الله: " إنَّ مِنَ البَيان لَسِحْراً : أَيْ مِنْهُ مَا يَصرف قُلُوبَ السَّامِعِينَ، وَإِنْ كَانَ غيرَ حَقٍّ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ مِنَ البَيان مَا يكْتَسب بِهِ مِنَ الإثْم ، مَا يكْتَسبه السَّاحِرُ بِسحْرِه، فَيَكُونُ فِي مَعْرِض الذَّم.
ويجوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْرض المَدْح؛ لِأَنَّهُ يُسْتمالُ بِهِ القلوبُ، ويُتَرضى بِهِ السَّاخِطُ، ويُسْتنْزل بِهِ الصَّعْب. والسِّحْرُ فِي كَلَامِهِمْ: صَرفُ الشَّيْءِ عَنْ وجْهه" انتهى من "النهاية" (2/ 346).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ووجه كون البيان سحرا: أنه يأخذ بلب السامع، فيصرفه أو يعطفه، فيظن السامع أن الباطل حق ، لقوة تأثير المتكلم، فينصرف إليه.
ولهذا إذا أتى إنسان يتكلم بكلام معناه باطل، لكن لقوة فصاحته وبيانه يسحر السامع حقا، فينصرف إليه، وإذا تكلم إنسان بليغ يحذر من حق، ولفصاحته وبيانه يظن السامع أن هذا الحق باطل، فينصرف عنه، وهذا من جنس السحر الذي يسمونه العطف والصرف، والبيان يحصل به عطف وصرف; فالبيان في الحقيقة بمعنى الفصاحة، ولا شك أنها تفعل فعل السحر، وابن القيم يقول عن الحور: حديثها السحر الحلال" انتهى من "شرح كتاب التوحيد "(1/ 527).
والله أعلم.