الحمد لله.
التُّرَاثُ : الميراث ، وأصله وُرَاث ، من وَرِث .
ومنه قوله تعالى : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا)الفجر/19.
قال الطبري في "تفسيره" (24/ 414) : " وتأكلون أيها الناس الميراث أكلا لمًّا؛ يعني : أكلا شديدًا لا تتركون منه شيئا "انتهى.
وقال يزيد بن الصَّعِق :
وما كانَ مَالِي عَنْ تُرَاثٍ وَرِثْتُهُ ... ولا صَدَقَاتٍ من نِسَاءٍ أَوَائِمِ
وينظر : "شمس العلوم" (2/738).
والتراث الإسلامي هو الذي ورثه المسلمون من نبيهم وصحابته وعلماء المسلمين :
وأهم وأعظم التراث الإسلامي: القرآن والسنة .
ثم أقوال الصحابة، وفي مقدمتهم الخلفاء الأربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم .
ثم أقوال أئمة التابعين ومن بعدهم من علماء الأمة، وفي مقدمتهم الأئمة الأربعة، أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، رحمهم الله .
ثم كتب أهل العلم الراسخين فيه، المتبعين للكتاب والسنة وصحيح الأثر.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : " المقصود من التراث الإسلامي: هو ما بعث به نبينا عليه الصلاة والسلام من الهدى ودين الحق، والكتب التي ألفت في ذلك مما ينفعنا والمخطوطات الموجودة في ذلك، وهكذا كل ما نريده ونأخذ به ونستعين به على طاعة الله وعلى الإعداد لأعداء الله "انتهى.
وقال أيضًا : " لا شك أن التراث الإسلامي أمره مهم والعناية به واجبة، وعلى رأس هذا التراث : كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فهما أعظم تراث وأفضل تراث وأنفع تراث، وهما أصل دين الإسلام وأساسه، خلفهما لنا رسولنا ونبينا وإمامنا محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، والله يقول في كتابه العظيم : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) [فاطر:32]، وعلى رأس المصطفين رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام ثم صحابته الكرام ثم أتباعهم بإحسان جعلنا الله وإياكم من أتباعهم بإحسان " انتهى.
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله، عن إطلاق عبارة: "كتب التراث" على كتب السلف؟
فأجاب بقوله: " الظاهر أنه صحيح، لأن معناه الكتب الموروثة عمن سبق، ولا أعلم في هذا مانعًا."انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ" (3/92).
وعليه : فيجوز أن يقال عن كتب العقيدة والتفسير وغيرها كتب تراث شرعي أو إسلامي .
على أن طائفة من أهل الزيغ والضلال يستعملون هذا المصطلح في مقامين منحرفين:
المقام الأول: إطلاق ذلك "المصطلح" على نصوص الوحي المنزل، من كتاب الله ، وسنة رسوله، لا بقصد التعظيم، ولا بقصد المعنى اللغوي السليم من "الميراث" الشرعي، والنبوي، بل بقصد أن نصوص "الوحي" من جملة "التراث القديم" الذي يمكنهم أن يتخطوه إلى "الحديث" و"الجديد" ، أو أن يعامل هذا "التراث" ، وهو وحي إلهي منزل، كما يعامل تراث الأقدمين السالفين من الأمم السالفة جميعا، فيقبلون منه ويردون، أو يتأولونه وفق مناهجهم المنحرفة في نزع "القداسة" – التي هي التعظيم والتوقير والإجلال، والقبول والتسليم – عن النص الشرعي، ليتعاملوا به كما يتعاملون مع "النص الأدبي" الموروث، في طرائق "فهمه" و"تحليله" وأيضا "نقده" !!
والمقام الثاني، وهو شعبة من تلك الضلالة، إلا أنها أخف أمرا منها: ليس شغلها بالنص الشرعي المقدس، من كتاب وسنة، بل شغلها بكتب أهل العلم، وميراث الأمة من العلم المحقق عن الأئمة الماضين، فيطلق هؤلاء المنحرفون "كتب التراث" على ذلك الميراث، تهوينا من شأنه، وتقليلا لمرجعيته، وتزهيدا من الصدور عنه، والرجوع إليه.
وكلاهما ضلالة، وانحراف، وبعض الشر أهون من بعض.
ومن كلام الرجل، وسياقه، ومقاصده : يتبين المصلح من المفسد، ومن غرضه سليم بذلك الإطلاق، ممن هو مفتتح باب ضلالة.
وينظر للفائدة كتاب: "معركة النص" للعجلان.
والله أعلم.