الحمد لله.
أولا:
الجمع بين الصلاتين لأجل المطر: دلّ عليه حديث ابن عباس رضي الله عنه، قَالَ: "صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ" رواه مسلم (705).
وروى البخاري (543) عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ "، فَقَالَ أَيُّوبُ [السختياني]: لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ؟ قَالَ [جابر بن زيد]: عَسَى.
والجمهور على جواز الجمع بين المغرب والعشاء لأجل المطر، واشترطوا أن يكون مطرا يبل الثياب، أي إذا عُصر الثوب تقاطر منه الماء.
وأما الجمع بين الظهر والعصر فلم يقل به إلا الشافعية، وقولهم هو الراجح.
وفي "الموسوعة الفقهية "(15/ 289): "ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر المبلل للثياب، والثلج والبرد؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا". زاد مسلم: "من غير خوف ولا سفر".
قال كل من الإمام مالك والشافعي رحمهما الله: أرى ذلك بعذر المطر...
إلا أن الجمهور اختلفوا في مسائل منها:
1 - يرى المالكية والحنابلة أنه لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ونحوه؛ لما روي أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء . ولأن المشقة في المغرب والعشاء أشد لأجل الظلمة.
أما الشافعية فيرون أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر كذلك، بسبب المطر ونحوه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم ذكره، ولأن العلة هي وجود المطر، سواء أكان ذلك في الليل أم في النهار" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وعلم من قوله: "بين العشاءين" : أنه لا يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأسباب ، وهو المذهب.
والراجح : أنه جائز لهذه الأسباب وغيرها ، بين الظهرين والعشاءين ، عند وجود المشقة بترك الجمع، كما يفيده حديث ابن عباس رضي الله عنه" انتهى من "الشرح الممتع" (4/ 392).
ثانيا:
من أتى المسجد في وقت الظهر فلم يدرك الجماعة، ولم يجد من يصلي معه، فالأظهر أنه لا يجمع؛ لأنه لا مشقة عليه في صلاة العصر في وقتها في بيته، وقد يجد من يصلي معه العصر جماعة في بيته، وقد يمكنه المجيء للمسجد دون مشقة، لا سيما أن الجمهور يمنعون الجمع بين الظهرين لأجل المطر كما تقدم، فترك الجمع أحوط.
وعلى القول بجواز الجمع، فإنه لا يلزمه ذلك؛ لأن الجمع رخصة، وليس واجبا، فله أن يجمع، وألا يجمع.
والأظهر كما تقدم أنه لا يجمع.
قال ابن قدامة رحمه الله: " هل يجوز الجمع لمنفرد، أو من كان طريقه إلى المسجد في ظلال يمنع وصول المطر إليه، أو من كان مقامه في المسجد؟ على وجهين:
أحدهما، الجواز؛ لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال وجود المشقة وعدمها، كالسفر، ولأن الحاجة العامة إذا وجدت ، أثبتت الحكم في حق من ليست له حاجة،... ولأنه قد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع في المطر، وليس بين حجرته والمسجد شيء.
والثاني، المنع؛ لأن الجمع لأجل المشقة، فيختص بمن تلحقه المشقة، دون من لا تلحقه؛ كالرخصة في التخلف عن الجمعة والجماعة، يختص بمن تلحقه المشقة، دون من لا تلحقه، كمن في الجامع والقريب منه" انتهى من "المغني" (2/ 204).
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: " والأظهر- وفي الروضة: الأصح- تخصيص الرخصة بالمصلي جماعة ، بِمُصّلَّى ، بمسجد أو غيره ، بعيد عن باب داره عرفا ، بحيث يتأذى بالمطر في طريقه إليه ، نظرا إلى المشقة وعدمها .
بخلاف : من يصلي ببيته ، منفردا أو جماعة ، أو يمشي إلى المصلى في كنٍّ ، أو كان المصلى قريبا : فلا يجمع ؛ لانتفاء التأذي " انتهى من "مغني المحتاج" (1/535) .
ثالثا:
هذا الجمع رخصة لمن صلى في المسجد، لا لمن صلى في بيته على الراجح.
وينظر: "الشرح الممتع" (4/ 394).
والله أعلم.