الحمد لله.
قد أخطأت طليقتك بالذهاب إلى المحكمة والادعاء عليك بما لا يحق لها، وحكم القاضي لا يحل الحرام، ولا يبيح للإنسان ما ليس له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ رواه البخاري (6967) ، ومسلم (1713).
وإذا كان الأمر كما ذكرت من أنك "خسرت ضعفي ذهبها ، في المحاكم مصاريف للمحاميين ومصاريف إدارية ، وغيرها ، بسبب دعوى باطلة من طرفها ، وصدر الحكم في صالحك ، وأن ما نهبوه من البيت مقابل الذهب الذي عليك" إذا كان الأمر كما ذكرت ؛ فقد برئت ذمتك، وذلك أن لك الحق في مطالبتها بما غرمته في المحاكم من جراء دعواها الباطلة.
وأما إذا كانت محقةً في دعواها ، فإنها لا تغرم مصاريف المحاكم، بل تغرم أنت مصاريف تحاكمها، ويلزمك حينئذ رد ثلثي الذهب؛ لأن ثلثه الباقي يساوي ما نهبته من المنزل كما ذكرت.
ومن كلام الفقهاء في الإلزام بمصاريف الدعوى والتقاضي:
1-سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " عمن عليه دين فلم يوفه حتى طولب به عند الحاكم وغيره وغرم أجرة الرحلة. هل الغرم على المدين؟ أم لا؟
فأجاب: الحمد لله، إذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء، ومطله حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل، إذا غرمه على الوجه المعتاد " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/ 24).
2-وقال العز ابن عبد السلام رحمه الله: " (فائدة) إذا لزم المدعى عليه إحضار العين ، لتقوم عليها البينة ، فأحضرت : فإن ثبت الحق [أي : كان الحق للمدعَى عليه] كانت مؤنة الإحضار على المدعي، وإن لم يثبت كانت مؤنة الإحضار والرد : على المدعى عليه؛ لأنه مبطل في ظاهر الشرع" انتهى من "قواعد الأحكام" (2/ 31).
3-وقال البهوتي في "كشاف القناع" (3/ 419): " (ولو مطل) المدينُ ربَّ الحق (حتى شكا عليه : فما غرمه) رب الحق (فعلى) المدين (المماطل) ؛ إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، ذكره في الاختيارات؛ لأنه تسبب في غرمه بغير حق.
(وفي الرعاية: لو أحضر مدعىً به ، ولم يثبت للمدعي : لزمه) - أي المدعي - (مؤنة إحضاره و) مؤنة (رده) إلى موضعه ، لأنه ألجأه إلى ذلك بغير حق " انتهى.
وقال في (4/ 116): " وإن غرم إنسان بسبب كذب عليه عند ولي الأمر فله – أي الغارم- تغريم الكاذب ، لتسببه في ظلمه ..
ومثله من شكا إنسانا ظلما ، فأغرمه شيئا لحاكم سياسي ، كما أفتى به قاضي القضاة الشهاب ابن النجار ، ولم يزل مشايخنا يفتون به، بل لو أغرمه شيئا لقاض ظلما ، كان [له] الرجوع به عليه ، كما يُعلم مما تقدم في الحجر ، فيما غَرمه رب الدين بمطل المدين ونحوه؛ لأنه بسببه" انتهى.
4-وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " العلماء رحمهم الله نصوا على أن كل من غرم غرامة بسبب عدوان شخص آخر : أن ذلك الشخص هو الذي يحمل تلك الغرامة .
قال شيخ الإسلام في "كتاب الاختيارات": ومن مطل صاحب الحق حقه حتى أحوجه إلى الشكاية ؛ فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل ، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد.
وقال في "الإنصاف" في باب الحجر: لو مطل غريمه حتى أحوجه إلى الشكاية ، فما غرمه بسبب ذلك يلزم المماطل.
وقال شيخ الإسلام: لو غرم بسب كذب عليه عند ولي الأمر : رجع به على الكاذب" انتهى من " فتاوى الشيخ" (13/ 55).
وينظر: "مصروفات الدعوى" للدكتور ناصر بن محمد الجوفان، بحث منشور في مجلة العدل، العدد 17 محرم 1424هـ.
و "مصروفات الدعوى في الشريعة الإسلامية، رسالة ماجستير لعبد العزيز بن عبد الكريم المهنا، ص22-28 .
والله أعلم.