هل يستفاد من قصة موسى عليه السلام (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ..) مشروعية الخلوة بعيداً عن الناس؟

05-08-2018

السؤال 295670

هل في قصة موسى عليه السلام في قوله تعالى :  وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ   ما يدل على مشروعية الخلوة في المناطق المعزولة أربعين يوماً ؟

الجواب

الحمد لله.

ليس في قصة موسى عليه السلام دليل على مشروعية الخلوة لنا ؛ فإننا إذا افترضنا جدلا أنها كانت من جنس الخلوة المعروفة للناس اليوم ؛ فغايتها أن تكون شرعا لمن كان قبلنا .

وقد تقرر في الأصول : أن شرع من قبلنا ، ليس بشرع لنا ، إذا كان مخالفا لشرعنا.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" وحاصل تحرير المقام في مسألة "شرع من قبلنا"؛ أن لها واسطة وطرفين:

طرف يكون فيه شرعا لنا إجماعا: وهو ما ثبت بشرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، ثم بين لنا في شرعنا أنه شرع لنا، كالقصاص، فإنه ثبت بشرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، في قوله تعالى:   وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ   الآية، وبين لنا في شرعنا أنه مشروع لنا في قوله:  كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى  .

وطرف يكون فيه غير شرع لنا إجماعا، وهو أمران:

أحدهما: ما لم يثبت بشرعنا أصلا أنه كان شرعا لمن قبلنا، كالمتلقى من الإسرائيليات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن تصديقهم، وتكذيبهم فيها، وما نهانا - صلى الله عليه وسلم - عن تصديقه لا يكون مشروعا لنا إجماعا.

والثاني: ما ثبت في شرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، وبين لنا في شرعنا أنه غير مشروع لنا ... " انتهى. "أضواء البيان" (2 / 81 - 82).

وليس من شرعنا هذه الخلوات في البريّة، وإنما شُرع لنا ما هو خير وهو الاعتكاف في المساجد، وصيام نهار الاعتكاف في رمضان، مع ملازمة جماعة المسلمين في الجمع والصلوات الخمس، فيجتمع الخير من جميع أطرافه.

راجع للفائدة الفتوى رقم (50024) ورقم (49007).

وأما هذه الخلوة المبتدعة في البريّة ففيها تضييع لهذا الخير والفضل.

عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قُلْتُ: فِي قَرْيَةٍ دُوَيْنَ حِمْصَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:   مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ   قَالَ السَّائِبُ – أحد رواة هذا الحديث-: يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ.

رواه أبو داود (547)، والنسائي (847)، وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (547).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" و "طائفة" يجعلون الخلوة أربعين يوما ، ويعظمون أمر الأربعينية، ويحتجون فيها بأن الله تعالى واعد موسى عليه السلام ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، وقد روي أن موسى عليه السلام صامها وصام المسيح أيضا أربعين لله تعالى ، وخوطب بعدها. فيقولون يحصل بعدها الخطاب والتنزل كما يقولون في غار حراء حصل بعده نزول الوحي.

وهذا أيضا غلط ؛ فإن هذه ليست من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل شرعت لموسى عليه السلام كما شرع له السبت ، والمسلمون لا يسبتون، وكما حرم في شرعه أشياء لم تحرم في شرع محمد صلى الله عليه وسلم. فهذا تمسك بشرع منسوخ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (10 / 394 - 395).

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (220230).

والله أعلم.

البدعة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب