الحمد لله.
أولا:
الجنّ مكلفون بأحكام الشرع كالإنس.
قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ الذاريات/56.
ومكلّفون بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ الأحقاف/29 – 32.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" ( يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ) فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمدا صلوات الله وسلامه عليه إلى الثقلين الإنس والجن حيث دعاهم إلى الله، وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين، وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم، وهي سورة الرحمن " انتهى من"تفسير ابن كثير" (7 / 303).
وهم مكلفون بما كلّفت به الإنس في الجملة؛ لكن اختلاف الخلقة والطبع بين الإنس والجن يقتضي تغايرا في بعض التكاليف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" لا ريب أنهم مأمورون بأعمال زائدة على التصديق، ومنهيون عن أعمال غير التكذيب؛ فهم مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلي الإنس في الحد والحقيقة؛ فلا يكون ما أمروا به، ونهوا عنه: مساويا لما على الإنس في الحد؛ لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم. وهذا ما لم أعلم فيه نزاعا بين المسلمين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4 / 233).
وجنس الإنس أكمل من جنس الجن.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" ولما كان الإنس أكمل من الجن وأتم عقولا ازدادوا عليهم بثلاثة أصناف أُخر ليس شيء منها للجن، وهم: الرسل، والأنبياء، والمقربون. فليس فى الجن صنف من هؤلاء، بل غايتهم الصلاح...
قال غير واحد من السلف: الرسل من الإنس، وأما الجن ففيهم النذر.
قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى )، فهذا يدل على أنه لم يرسل جنيا ، ولا امرأة ولا بدويا.
وأما تسميته تعالى الجن رجالا فى قوله:
( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ )، فلم يطلق عليهم "الرجال"، بل هى تسمية مقيدة بقوله: ( مِنَ الْجِنِّ ) فهم رجال من الجن ولا يستلزم ذلك دخولهم فى الرجال عند الإطلاق كما تقول: رجال من حجارة، ورجال من خشب ونحوه " انتهى من "طريق الهجرتين" (2 / 906 - 908).
ثانيا:
الظاهر أن ما كان فتنة للإنس، فهو فتنة للجن أيضا ، سواء فتنة الدجال أو غيره ، فيهم من الشبهات، والشهوات ، من جنس ما للإنس من ذلك .
لا يستبعد أن يكون لفتنة الدجال أثر على عالم الجنّ ، كما هي أعظم فتنة تعرض لبني آدم، وأعظم فتنة حذرت الأنبياء قومها منها .
وإن كان الجزم بذلك يتوقف على خبر من المعصوم، ولا خبر عندنا في ذلك ، فطريق السلامة : الوقف، والسكوت عن الجزم فيه بشيء ، خاصة وأن إثبات ذلك أو نفيه ، لا يترتب عليه شيء من عمل ، ولا اعتقاد، ولا ينفع المسلم علمه بشيء في دينه ودنياه ، كما لا يضره الجهل به .
وإنما الذي على العبد الناصح لنفسه : أن يتعلم ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة الدجال، وأسباب النجاة منها ، وأن يفتقر إلى الله جل جلاله ، في عصمته منها ، ويكثر من الدعاء الوارد في ذلك .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (8806)، ورقم : (5236).
والله أعلم.