الحمد لله.
الإفرازات المستمرة التي لا يُعهد انقطاعها وقتا معينا يكفي للطهارة والصلاة : لها حكم الاستحاضة، فيلزمها الوضوء لوقت كل صلاة .
فإن شق عليها ذلك فلها أن تجمع بين الظهر والعصر ، فتصليهما في وقت إحداهما ، وكذلك المغرب والعشاء، تصليهما في وقت إحداهما ، إما جمع تقديم ، وإما جمع تأخير ، حسب الأرفق بها .
والأصل في جواز ذلك: ما روى أبو داود (294) ، والنسائي (213) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُمِرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ الْعَصْرَ وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا، وَأَنْ تُؤُخِّرَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا، وَتَغْتَسِلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ غُسْلًا " والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
ولم يشترط الفقهاء للجمع أن تغتسل، لكن اشترطوا وجود المشقة في أداء الصلاة في وقتها.
قال في "كشاف القناع" (2/ 5): "(يجوز) الجمع (بين الظهر والعصر) في وقت إحداهما (و) بين (العشاءين في وقت إحداهما) فهذه الأربع هي التي تجمع: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء في وقت إحداهما ، إما الأولى، ويسمى جمع التقديم، أو الثانية، ويقال له جمع التأخير في ثمان حالات إحداها (لمسافر يقصر)...
(و) الحالة الثانية (المريض يلحقه بتركه) أي الجمع (مشقة وضعف) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -جمع من غير خوف ولا مطر .
وفي رواية من غير خوف ولا سفر رواهما مسلم من حديث ابن عباس ، ولا عذر بعد ذلك إلا المرض.
وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة ، وهي نوع مرض ، واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر، واحتجم بعد الغروب ثم تعشى، ثم جمع بينهما .
" تنبيه : " قوله مشقة وضعف " : هكذا في المستوعب والكافي والشرح والمقنع، وتابعه في التنقيح ولم يتعقبه في المبدع ولا الإنصاف، ولم يذكر في الفروع " وضعف " وتبعه في المنتهى وحكاه في شرحه بقيل" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/ 559): " يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشاءين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة" انتهى.
وقال رحمه الله: " وأما جواز جمعها بين الصلاتين لمشقة الوضوء لكل صلاة فهو جائز، يجوز أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء إذا كان يشق عليها أن تتوضأ لكل صلاة، أما إذا كان لا يشق عليها، فإن الواجب أن تصلي كل صلاة في وقتها" انتهى من "اللقاء الشهري" (30/ 19).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " إذا أصابه السلس - وهو البول المستمر - يتوضأ لكل صلاة، ويصلي كل صلاة في وقتها، مثل المستحاضة التي معها الدم الدائم ، تتوضأ لكل صلاة وتصلي، ولا تسقط عنها ولا عن صاحب السلس الصلاة .
ولهما الجمع إذا شق عليهما الأمر، لكن الرجل ينبغي عليه ألا يجمع حتى يصلي مع الجماعة، أما المرأة إذا جمعت لحاجة فلا بأس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لحمنة رضي الله عنها أن تجمع" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (13/ 13).
وعُلم من هذا : أن شرط الجمع: حصول المشقة في الوضوء لكل صلاة في وقتها.
وأما إذا لم توجد مشقة : فلا يجوز الجمع.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (109191) ، ورقم : (39494) .
والمشقة في المستحاضة قد تأتي من تغيير العصابة (الفوطة) وغسل المحل، مع أنه لا يلزمها التجديد والتغيير إلا إذا فرطت في شدها.
وأما صاحبة الإفرازات، فلا يلزمها العصب؛ لأن الإفرازات طاهرة ولا يضرها لو أصابت بدنها أو ثوبها، فالمشقة منتفية غالبا، إلا إذا كانت في السوق أو في سفر ونحوه، فلينتبه إلى هذا.
والله أعلم.