الحمد لله.
أولًا:
المجوس هم عبدة النار، وخدامها، قال القرطبي: " (والمجوس) هم عبدة النيران القائلين أن للعالم أصلين: نور، وظلمة " انتهى من "تفسير القرطبي " (12/ 23)، وانظر"تفسير الطبري" (16/ 485).
وقد قيل فيهم: "إن هذه المجوسية شر دين، ليس فيها تكرُّم العرب، ولا علم أهل الكتاب، ينكحون ما يستحى من نكاحه، ويأكلون ما يُتكرَّم عن أكله، ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة"، انتهى من "الجواب الصحيح"(1/ 329).
قال ابن القيم: " ومن كيده [أي: الشيطان] وتلاعبه: ما تلاعب بعبّاد النار، حتى اتخذوها آلهةً معبودةً.
وقد قيل: إن هذا كان من عهد قابيل، كما ذكر أبو جعفر محمد بن جرير: أنه لما قتلَ قابيلُ هابيلَ، وهرب من أبيه آدم عليه السلام، أتاه إبليس، فقال له: إن هابيل إنما قُبل قُرْبانه وأكلته النار، لأنه كان يخدُمها ويعبدها، فانصِبْ أنت أيضًا نارًا تكون لك ولعَقِبك، فبنى بيت نار، فهو أوّلُ من نصب النار وعبدها.
وسرى هذا المذهب في المجوس، فبنوا لها بيوتًا كثيرة، واتخذوا لها الوقوف والسدنة والحُجّاب، فلا يدعونها تَخْمُدُ لحظةً واحدة، فاتخذ لها أفريدون بيتًا بطوس، وآخر ببخارى، واتخذ لها بهمنُ بيتًا بسجستان، واتخذ لها أبو قباذ بيتًا بناحية بُخارى، واتُّخذت لها بيوت كثيرة "، وذكر بعض أحوالهم، انظر : " إغاثة اللهفان"(2/ 988).
ثانيًا:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الحج/17 ، والمعنى كما قال ابن كثير: " يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين، ومن سواهم من اليهود والصابئين ... والنصارى والمجوس، والذين أشركوا فعبدوا غير الله معه؛ فإنه تعالى يفصل بينهم يوم القيامة ، ويحكم بينهم بالعدل ، فيدخل من آمن به الجنة، ومن كفر به النار، فإنه تعالى شهيد على أفعالهم، حفيظ لأقوالهم، عليم بسرائرهم، وما تكن ضمائرهم " انتهى من "التفسير"(5/ 402).
وليس في المجوس مؤمن، بل عامتهم من المشركين الثنوية [تقول بإلهين اثنين]، عباد النار، وهم من شر أصناف المشركين . ابن تيمية: " وهو سبحانه ذكر في سورة الحج ملل العالم فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (سورة الحج 17) ، فأخبر أنه يفصل بين أهل الملل أجمعين ...
وفي سورة البقرة والمائدة : ذكر أربعة أصناف : المسلمين ، والذين هادوا ، والنصارى ، والصابئين ، ثم قال: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة البقرة 62) ؛ فدل على أن هذه الأربعة : منهم من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ، وأولئك هم السعداء في الآخرة .
بخلاف من لم يكن من هؤلاء مؤمنا بالله واليوم الآخر وعمل صالحا .
وبخلاف من كان من المجوس والمشركين ؛ فهؤلاء كلهم لم يذكر منهم سعيد في الآخرة " انتهى من "الصفدية"(2/ 304).
ثالثًا:
ولعل السائل قد اشتبه عليه أمر المجوس ، والصابئة ؛ والصابئة هم الذين ذكر أهل العلم أنهم نوعان : صابئة حنفاء ، وصابئة مشركون ؛ فالحنفاء هم الناجون منهم ، وبينهم مناظرات ورد من بعضهم على بعض ، وهم قوم إبراهيم ، كما أن اليهود قوم موسى ، والحنفاء منهم أتباع إبراهيم عليه السلام .
وما ذكرناه من انقسام الصابئة إلى موحدين ومشركين: قرره شيخ الإسلام أيضا في غير موضع.
انظر "الرد على المنطقيين"(287 - 458، 290 - 458)، و"منهاج السنة"(5/ 1)، وقد فصلنا أحوالهم في الجواب التالي: (49048).
والله أعلم .