الحمد لله.
أولا:
إذا استمر الدم، أو الصفرة والكدرة المتصلة به ، حتى جاوز خمسة عشر يوما، فهذه استحاضة عند جمهور الفقهاء.
والمستحاضة إن كان لها عادة سابقة، جلستها ، ثم اغتسلت وصلت.
فإن لم تكن لها عادة ، أو نسيتها : عملت بالتمييز، فدم الحيض أسود منتن ثخين، ودم الاستحاضة بخلافه .
فإن لم يكن دمها متميزا، فإنها تجلس ستة أيام ، أو سبعة أيام ، على غالب عادة النساء من أهلها، ثم تغتسل وتصلي.
والأصل في ذلك:
ما روى البخاري (325) عَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ، فَقَالَ: لاَ إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي .
فهذا فيه اعتبار العادة.
وروى أبو داود (286) ، والنسائي (215) عَنْ : " فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
وهذا فيه اعتبار التمييز.
وروى الترمذي (128) ، وأبو داود (287) ، وابن ماجه (622) عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: " كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا، فَقَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ؟ قَالَ: أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ .
قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (فَتَلَجَّمِي) . قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ: (فَاتَّخِذِي ثَوْبًا) ، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا!!
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ: أَيَّهُمَا صَنَعْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي وَصَلِّي، فَإِنَّ ذَلِكِ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ، لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ .
قال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ... وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا [يعني البخاري] عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ" انتهى.
وهذا لمن لا عادة لها ولا تمييز.
فإن كانت عادتك السابقة معلومة، فاجلسي قدرها، ثم اغتسلي وصلي ، فإن كانت غير معلومة فاعملي بالتمييز .
فإن لم تكن معلومة، والدم غير متميز، فتحيضي ستا أو سبعا، ثم اغتسلي وصلي.
ثانيا:
الاستحاضة ابتلاء من الله تعالى، وقد استحيضت أم حبيبة بنت جحش رضي الله سبع سنين، كما روى البخاري (327) ، ومسلم (334) واللفظ له، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ، - خَتَنَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ. فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنَّ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي .
فاصبري واحتسبي، واجتهدي في معالجة ذلك، فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل دواء.
ثالثا :
ترك الصلاة منكر عظيم، ومهما يكن من نزول الدم، فإن الصلاة لا تترك بالكلية، وكان عليك أن تسألي قبل أن تتركي الصلاة طوال هذه المدة .
لكن من كان مغلوبا على ذلك ، لا يملك أمر نفسه : فهو محل العفو من الله ، جل جلاله.
ومن فعل ذلك متأولا، أو جاهلا، ولم يكن مفرطا، ولا متجانفا لإثم ترك الصلاة: فهو على رجاء العفو والمغفرة من أرحم الراحمين، على ما فات من أمره .
رابعا:
ما تركت من الصلوات فيما زاد على عادتك، يلزمك قضاؤه عند الجمهور.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المستحاضة، إن جهلت وجوب الصلاة لم يلزمها القضاء، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال رحمه الله: " ومن هذا الباب: المستحاضة : إذا مكثت مدة لا تصلي ، لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى "(21/ 101).
ولا شك أن قول الجمهور أحوط، وأبرأ للذمة .
خامسا:
السحر يعالج بالرقية الشرعية، ولا حرج في الرجوع إلى من هو معروف بالرقية من أهل الاستقامة.
ونسأل الله أن يشفيك شفاء لا يغادر سقما.
والله أعلم.