الحمد لله.
أولا:
النذر مكروه ابتداءً ؛ لما روى البخاري (6608) ، ومسلم (1639) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر ، وقال : ( إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ ) .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يستحب – أي : النذر - ؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن النذر ، وأنه قال : ( لا يأتي بخير , وإنما يستخرج به من البخيل ) متفق عليه .
وهذا نهي كراهة ، لا نهي تحريم ؛ لأنه لو كان حرامًا ، لما مدح الله الموفين به ؛ لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم ، أشد من طاعتهم في وفائه ; ولأن النذر لو كان مستحبا , لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأفاضل أصحابه " انتهى من " المغني " (10/68) .
ويجب الوفاء بنذر الطاعة المعلق ، إذا حصل الشيء الذي عُلق عليه النذر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ ) أخرجه البخاري (6696).
قال الكاساني رحمه الله : " وإن كان معلقاً – أي : النذر - بشرط ، نحو أن يقول : إن شفى الله مريضي ، أو إن قدم فلان الغائب : فلله عليّ أن أصوم شهراً ، أو أصلي ركعتين ، أو أتصدق بدرهم ، ونحو ذلك : فوقته وقت الشرط ؛ فما لم يوجد الشرط ، لا يجب ؛ بالإجماع " انتهى من " بدائع الصنائع " (5/94) .
ثانيًا:
النذر يُرجع فيه إلى نية الناذر إذا احتملها اللفظ .
قال القرافي : " والمعتبر في النذور : النية ". انتهى من "الذخيرة" (3 / 75) .
وعليه : فإن كانت نيتك ، حال التلفظ بالنذر : جهة ، أو جهات معينة من الأعمال الخيرية ؛ فلا يجوز أن تخرج المنذور في غير الجهات التي نويتها .
أما إذا كنت أطلقت اللفظ في الجهات الخيرية، ولم تخصص جهة معينة بنيتك : فبناء المساجد يدخل ، ولا شك ، في عموم الأعمال الخيرية ، بل هو من أفضلها وأجلها .
كما يدخل في الأعمال الخيرية كل عمل صالح يخدم الإسلام والمسلمين ؛ ككفالة الأيتام ، والسعي على الأرامل ، وإصلاح ذات البين ، وقضاء دين المعسر ، وإطعام الجائع ، وحفر الآبار ، وبناء دور العلم ، وغير ذلك من أعمال البر .
ولا يقاس النذر على الزكاة ؛ لأن الزكاة لا يجوز صرفها إلا في الأصناف الثمانية المذكورة في كتاب الله ، في قوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة/60 .
أما النذر فبحسب لفظ الناذر ونيته، كما سبق بيانه.
والله أعلم