الحمد لله.
الشيك المؤجل دين على صاحبه، وبيع الدين لغير المدين فيه تفصيل:
1 - فإن باعه مقابل سلعة حاضرة غير الذهب والفضة، ففي صحة البيع وجوازه خلاف، والراجح جوازه؛ لعدم اشتراط التقابض، ولا التماثل، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية وابن القيم، لكن يشترط لذلك شرطان:
الأول: قدرة باذل السلعة على تحصيل الدين.
الثاني: ألا يربح بائع الدين. فلو كان دينه (100 دولار) فليس له أن يأخذ سلعة قيمتها أكثر من هذا؛ لئلا يربح فيما لم يضمن؛ لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنُ ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ رواه الترمذي (1234) ، وأبو داود (3504) ، والنسائي (4611)، وصححه الترمذي والألباني.
وله أن يأخذ بضاعة قيمتها 100 دولار أو أقل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان صور بيع الدين:
" الأولى: بيع الدين على الغير، فلا يجوز أن يباع بالدين، بل ولا بالعين على المذهب مطلقاً.
مثال ذلك: إنسان في ذمته لشخص مائة صاع بر، فجعل هذا الرجل يطلبه يقول: أعطني يا فلان، وهو يماطل به، فقيل للرجل الذي له الحق: نعطيك عنها مائة درهم، ونحن نأخذها من المطلوب: فلا يجوز، حتى وإن كان بعين، فإنه لا يجوز، فلو قيل لهذا الرجل الذي له مائة الصاع في ذمة فلان: سوف نعطيك عنها مائة ريال تأخذها نقداً، فإنه لا يجوز؛ لأنه يشبه أن يكون غير مقدور على تسليمه، وإذا كان كذلك فإنه يكون فيه غرر، إذ إن المطلوب قد يوفي كاملاً، وقد لا يوفي، وقد يوفي ناقصاً، فلا يصح.
لكن لو كان الذي اشترى دَين فلان قادراً على أخذه منه، كرجل له سلطة يستطيع أن يأخذ هذا المال الذي في ذمة الرجل، فالصحيح أنه يجوز وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ لأن العلة في النهي عن بيع ما في الذمم: إنما هي الخوف من الغرر، وعدم الاستلام، فإذا زالت العلة، زال المعلول ، وزال الحكم، ثم إن عجز عن أخذه فله الفسخ.
وبشرط ألا يربح فيه البائع بمعنى ألا يبيعه بأكثر من ثمنه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ربح ما لم يضمن، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ..
وبشرط ألا يكون بينهما ربا نسيئة، مثل أن أبيع عليه مائة صاع من التمر في ذمة فلان، بمائة صاع من الشعير: فهذا لا يجوز، لأنه يجري فيه ربا النسيئة وأنا لم أقبض العوض" انتهى من "الشرح الممتع" (8/ 444).
وقد أخذ بهذا القول مجمع الفقه الإسلامي كما جاء في قراره رقم: 158 (7/ 17) بشأن بيع الدين، ونصه:
" من صور بيع الدين الجائزة:
بيع الدائن دينه لغير المدين في إحدى الصور التالية: ...
(ب) بيع الدين بسلعة معينة.
(ج) بيع الدين بمنفعة عين معينة" انتهى.
2-وإن باع الشيك المؤجل، مقابل سلعة مؤجلة، فهذا بيع الكالئ بالكالئ، أي الدين بالدين، وهو محرم.
قال ابن قدامة رحمه الله: "قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز. وقال أحمد: إنما هو إجماع. وقد روى أبو عبيد في الغريب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الكالئ بالكالئ. وفسره بالدين بالدين. إلا أن الأثرم روى عن أحمد، أنه سئل: أيصح في هذا حديث؟ قال: لا" انتهى من "المغني" (4/ 37).
وقال ابن القطان: " وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز" انتهى من "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 234).
3 - وإن باع الشيك المؤجل مقابل نقود، ولو بعملة أخرى: لم يجز؛ لانتفاء التقابض المشترط في بيع النقود بالنقود، وهذا ربا.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
" ثالثاً: إن حسم (خصم) الأوراق التجارية: غير جائز شرعاً، لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم " انتهى من مجلة مجمع الفقه (ع 7 ج 2 ص 9).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/ 333): "لا يجوز بيع ولا شراء سندات النقود الحالَّة والمؤجلة، بأقل مما فيها، أو أكثر مما فيها؛ لأن ذلك يعتبر من صريح الربا.
وقد اجتمع في هذه المعاملة: ربا الفضل ، وربا النسيئة ؛ وكلاهما محرم بالنص" انتهى.
والحاصل : أن بيع الشيك المؤجل لغير من هو عليه، له صور، منها ما هو مجمع على تحريمه، ومنها ما هو محل خلاف كالصورة الأولى، والراجح جوازها بشروط.
وبناء على هذا القول: فلا مانع من تداول الشيك، في عدة عمليات تجارية، إذا كان في مقابل سلعة حاضرة، يستلمها المشتري، ويدفع ثمنها هذا الشيك.
والله أعلم.