الحمد لله.
فإن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كثيرة مشهورة ، ومن أعظمها وأفضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم له : أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى .
أخرجه البخاري في "صحيحه" (3706) ، ومسلم في "صحيحه" (2404) .
ولقد دأب الكذابون على وضع أحاديث في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن هذه الأحاديث المكذوبة في فضله هذا الحديث الذي أورده السائل الكريم .
وهذا الحديث له ثلاثة طرق ، كلها موضوع مكذوب ، وبيان ذلك كما يلي :
الطريق الأول :
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/320) ، ومن طريقه الشجري في "الأمالي" ـ ترتيب ـ (652) ، من طريق أَحْمَد بْن الْعَبَّاسِ الْمُرِّيُّ الْقَنْطَرِيُّ ، قال ثنا حَرْبُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّحَّانُ ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْلَا أَنْ يَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، لَقُلْتُ فِيكَ الْيَوْمَ مَقَالًا لَا تَمُرُّ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَخَذَ التُّرَابَ مِنْ أَثَرِ قَدَمَيْكَ ، يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ " .
وإسناده موضوع ، مسلسل بالمتروكين والضعفاء .
فيه : محمد بن عبيد الله بن أبي رافع :
قال البخاري في "الضعفاء الصغير" (332) :" منكر الحديث " . انتهى ، وقال أيضا :" ضعيف ذاهب الحديث " . انتهى من "العلل الكبير" للترمذي (ص395) ، وقال ابن معين :" ليس بشيء" . انتهى من "الضعفاء" للعقيلي (4/104) ، وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (8/2) :" ضعيف الحديث منكر الحديث جدا ذاهب ". انتهى ، وقال الدارقطني :" متروك له معضلات " انتهى من "سؤالات البرقاني" (474) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (925) :" مُنكر الحَدِيث جدا يروي عَن أَبِيهِ مَا لَيْسَ يشبه حَدِيث أَبِيه، فَلَمَّا غلب الْمَنَاكِير على رِوَايَته اسْتحق التّرْك ". انتهى.
وفيه : يحيى بن يعلى الأسلمي القطواني :
قال فيه البخاري :" مضطرب الحديث" . انتهى من "التاريخ الأوسط" (2507) ، وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (9/169) :" كوفي ليس بالقوى ، ضعيف الحديث ". انتهى ، وقال ابن معين :" ليس بشيء " انتهى من "الكامل" لابن عدي (2132) .
وفيه : حرب بن الحسن الطحان :
قال الأزدي :" ليس حديثه بذاك " انتهى من "ميزان الاعتدال" للذهبي (1768) .
والحديث حكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (5592) .
الطريق الثاني :
أورده ابن أبي حاتم في "العلل" (941) ، فقال :" وسألتُ أَبِي عن حديثٍ رواه أحمد بن عُثمان بْنِ حَكيم ، عَنْ حَسَن بن حُسَين ، عَنْ كادِحِ بْنِ جَعْفَر ، عَنْ عبد الله بن لَهِيعَة ، عن عبد الرحمن بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسار ، عن جابر بن عبد الله ؛ قَالَ: " لمَّا قَدِمَ عليٌّ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بفَتْح خَيْبَر ؛ قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْلاَ أَنْ يَقُولَ فِيكَ طَوائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارى في المَسيحِ بْنِ مَرْيَمَ ؛ لَقُلْتُ فِيكَ اليَوْمَ قَولاً ... وذَكَر الحديثَ؟
قَالَ أَبِي: هَذَا حديث ٌ موضوعٌ عِنْدِي ، والحسنُ بْنُ الْحُسَيْنِ هَذَا هُوَ العُرَني ، وأتيتُه وَلَمْ أكتُبْ عَنْهُ ، وَلَمْ يكنْ بصدوقٍ عندَهم ، وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الشِّيعة " انتهى .
وآفته : الحسن بن الحسين العرني :
قال فيه ابن عدي في "الكامل" (3/181) :" روى أحاديث مناكير .. ولا يشبه حديثه حديث الثقات ". انتهى ، وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/554) :" متروك " انتهى .
والحديث حكم عليه أبو حاتم بأنه موضوع .
الطريق الثالث :
أخرجه الشجري في "الأمالي" - ترتيب - (669) ، من طريق مُوسَى بْن إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ الْأَعْوَرُ ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِي ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَا عَلِيُّ ، إِنَّ فِيكَ مَثَلًا مِنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحَبَّتْهُ النَّصَارَى حَتَّى أَنْزَلَتْهُ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ، وَأَبْغَضَتْهُ الْيَهُودُ حَتَّى بَهَتُوا أُمَّهُ ، وَلَوْلَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلًا لَا تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنْ أُمَّتِي إِلَّا أَخَذُوا مِنْ تُرَابِكَ وَطَلَبُوا فَضْلَ طَهُورُكَ ، وَلَكِنْ أَنْتَ أَخِي ، وَوَزِيرِي ، وَصَفِيِّي ، وَوَارِثِي ، وَكَعْبَةُ عِلْمِي .
وإسناده تالف ، فيه موسى بن إبراهيم المروزي ، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (8844) :" كذبه يحيى ، وقال الدارقطني وغيره: متروك ". انتهى.
فتبين مما سبق: أن هذا الحديث موضوع مكذوب ، وفيما ثبت في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه كفاية وغنى .
والله أعلم .