الحمد لله.
ثبت رفع اليدين عند الرفع من الركوع عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ" رواه البخاري (736) ، ومسلم (390).
وعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الحُوَيْرِثِ: " إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ.
وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ هَكَذَا" رواه البخاري (737) ، ومسلم (391).
وقد اختلف العلماء في وقت الرفع على قولين :
القول الأول:
أن يبدأ رفع يديه مع بداية رفع رأسه من الركوع، وهو مذهب الشافعية ، والرواية المشهورة عند الحنابلة.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" ومندوبات – الرفع من الركوع -:
فمنها: أن يرفع يديه حذو منكبيه كما سبق بيانه في صفة الرفع في تكبيرة الإحرام، ويكون ابتداء رفعهما مع ابتداء الرفع...
فإذا اعتدل قائما حط يديه، والسنة أن يقول في حال ارتفاعه : سمع الله لمن حمده " انتهى من "المجموع" (3 / 417).
وقال المرداوي رحمه الله تعالى:
" إحداهما: يرفعهما مع رفع رأسه، وهو الصحيح، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. قال المجد وهي أصح، وصححه في "مجمع البحرين"، وقدمه في "الرعايتين"، و"الحاويين" و "الفائق"، وإليه ميل الشيخ الموفق، والشارح " انتهى من "تصحيح الفروع" (2 / 198).
وظواهر أحاديث الرفع ترجّح هذا القول.
وينظر: "المغني" لابن قدامة (2 / 185).
والقول الثاني:
أن يرفع بعد أن يستتم اعتداله من الركوع، وهو رواية أخرى عند الحنابلة.
قال المرداوي رحمه الله تعالى:
" والرواية الثانية: يرفعها بعد اعتداله، وقدمه ابن رزين في "شرحه". " انتهى من " تصحيح الفروع" (2 / 198).
وحجة هذا القول : ظاهر بعض الروايات ، وقياسا على رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" قال أحمد بن الحسين: رأيت أبا عبد الله إذا رفع رأسه من الركوع لا يرفع يديه حتى يستتم قائما. ووجهه أن في بعض ألفاظ حديث ابن عمر: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع ). ولأنه رفع، فلا يشرع في غير حالة القيام، كرفع الركوع والإحرام.
والثانية: يبتدئه حين يبتدئ رفع رأسه ; لأن أبا حميد قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم قال: سمع الله لمن حمده. ورفع يديه. وفي حديث ابن عمر المتفق عليه: {كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع : رفعهما كذلك، ويقول: سمع الله لمن حمده ؛ وظاهره أنه رفع يديه حين أخذ في رفع رأسه، كقوله: (إذا كبر) ، أي أخذ في التكبير، ولأنه حين الانتقال، فشرع الرفع منه ، كحال الركوع ، ولأنه محل رفع المأموم، فكان محلا لرفع الإمام كالركوع، ولا تختلف الرواية في أن المأموم يبتدئ الرفع عند رفع رأسه، لأنه ليس في حقه ذكر بعد الاعتدال، والرفع إنما جعل هيئة للذكر، بخلاف الإمام " المغني" (2 / 184 - 185).
ويجاب عن اللفظ المذكور: ( وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ )؛ أن المراد بعد ما يشرع في الرفع، لتتفق مع سائر روايات الحديث.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في تعليقه على رواية لحديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "... وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ " رواه البخاري (736) ، ومسلم (390).
قال رحمه الله تعالى:
" أي إذا أراد أن يرفع، ويؤيده رواية أبي داود من طريق الزبيدي عن الزهري بلفظ: ( ثُمَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ صُلْبَهُ رَفَعَهُمَا ، حَتَّى تَكُونَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ) . ومقتضاه : أنه يبتدئ رفع يديه عند ابتداء القيام من الركوع.
وأما رواية ابن عيينة عن الزهري ، التي أخرجها عنه أحمد وأخرجها عن أحمد أبو داود بلفظ: ( وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ) ؛ فمعناه : بعد ما يشرع في الرفع ، لتتفق الروايات " انتهى من "فتح الباري" (2 / 220).
واستدل لهذا القول أيضا برواية لحديث أبي حميد ، في صفة الصلاة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" الحسين بن محمد الأنماطي: "رأيت أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد - إذا رفع رأسه من الركوع لا يرفع يديه حتى يستتم قائما ".
والحجة فيه حديث أبي حميد: ( فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ )." انتهى من "بدائع الفوائد" (3 / 980).
وهذه الرواية عند أبي داود (730).
لكن هذه الرواية يحتمل أن المراد بها : ثم يرفع يديه بعد شروعه في قوله: ( سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ) وليس بعد استكماله، بدليل الرواية الأخرى لهذا الحديث حيث جاءت بلفظ : ( ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ، حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ) رواها الترمذي (304) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
فالأرجح أن يبدأ المصلي رفع يديه مع بداية رفع صلبه من الركوع.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ويكون ابتداء الرفع ، مع ابتداء التكبير، وله أن يرفع ثم يكبر، أو يكبر ثم يرفع.
أما عند الركوع فإذا أراد أن يهوي إلى الركوع : رفع يديه ، ثم أهوى ، ووضع يديه على ركبتيه.
وعند الرفع من الركوع : يرفع يديه عن ركبتيه رافعاً لها ، حتى يستوي قائما " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13 / 69).
وإذا رفع يديه بعد أن يستتم قائما : فالأمر فيه واسع ، ولا حرج ، إن شاء الله ، وقد مر ما يدل عليه من ظواهر النصوص ، وأن الإمام أحمد قد عمل به .
والله أعلم.