الحمد لله.
أولا:
فإن هذا الحديث الذي أورده السائل الكريم لا أصل له ، وليس له إسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يروه أحد من أهل العلم في دواوين السنة المشهورة ، بل ولم يذكره أحد في الأحاديث الموضوعة .
وإنما هو حديث مشهور على مواقع التواصل ، وأورده بعض الدعاة المعاصرين في أحد برامجه ، ولم يذكر له أصلا ولا سندا .
وغالب الظن أنه موضوع مكذوب ، ويكثر ذكره عند الروافض فلعله من أكاذيبهم ، ثم تلقفه منه بعض الدعاة وللأسف .
ثانيا:
الذي وقفنا عليه في هذا المعنى، هو ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/185) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/124) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6650) ، من طريق إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاشٍ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا ، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً .
وقد سبق الكلام على هذا الحديث، وبيان إسناده في جواب السؤال رقم : (274368) .
وأما كون المَلك الذي يكتب الحسنات وكله الله بالملك الذي يكتب السيئات فهذا ورد فيه حديث إلا أنه أيضا لا يصح .
وهذا الحديث روي من ثلاثة أوجه ، وجميعها لا يصح ، وهي كالتالي :
الوجه الأولى :
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/191) ، من طريق مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ ، قال ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاحِبُ الْيَمِينِ أَمِينٌ عَلَى صَاحِبِ الشِّمَالِ ، فَإِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أَثْبَتَهَا ، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْيَمِينِ: امْكُثْ سِتَّ سَاعَاتٍ ، فَإِنِ اسْتَغْفَرَ لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا أَثْبَتَ عَلَيْهِ سَيِّئَةً .
وإسناده ضعيف ، فيه " الوليد بن مسلم " ، وهو يدلس تدليس التسوية ، وقد عنعن .
الوجه الثاني :
أخرجه هناد في "الزهد" (920) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6648) ، من طريق جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الملك الذي على اليمين أمير على الملك الذي على الشمال ، فإذا عمل حسنة قال لصاحب الشمال اكتبها ، وإذا عمل سيئة قال له دعها لا تكتبها سبع ساعات لعله يستغفر .
وإسناده موضوع ، فيه " جعفر بن الزبير " ، كذاب ، قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (752) :" كذبه شعبة ، وتركه أحمد ". انتهى ، والحديث من هذا الطريق قال فيه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2237) :" موضوع " انتهى.
الوجه الثالث :
أخرجه ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (182) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6649) ، من طريق بِشْرِ بْنِ نُمَيْرٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاحِبُ الْيَمِينِ أَمِيرٌ عَلَى صَاحِبِ الشِّمَالِ ، فَإِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ حَسَنَةً كَتَبَهَا لَهُ صَاحِبُ الْيَمِينِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً فَأَرَادَ صَاحِبُ الشِّمَالِ أَنْ يَكْتُبَهَا ، قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْيَمِينِ: أَمْسِكْ. فَيُمْسِكُ عَنْ سَبْعِ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ ، فَإِنِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا ؛ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ كُتِبَ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ .
وإسناده تالف ، فيه " بشر بن نمير" ، متروك الحديث ، قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/822) :" بَصْرِيٌّ وَاهٍ .. قال أحمد: ترك الناس حديثه ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ " انتهى .
وهذا الطريق قال فيه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5/262) :" وهذا إسناد واه جدا ". انتهى.
وانظر ما سبق في جواب السؤال رقم : (274368) ، ورقم : (296886) .
والله أعلم