الحمد لله.
الجواب :
أولا:
إذا قرأ الإنسان القرآن خارج الصلاة وبدأ من وسط السورة ؛ فإن المشروع في حقه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لقول الله تعالى : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ النحل/98 .
وفي "الموسوعة الفقهية" (4/ 6): " أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الاسْتِعَاذَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، وَلَكِنَّهَا تُطْلَبُ لِقِرَاءَتِهِ ؛ لأِنَّ قِرَاءَتَهُ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ ، وَسَعْيُ الشَّيْطَانِ لِلصَّدِّ عَنْهَا أَبْلَغُ . وذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ : أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ؛ أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ ) النحل/98 ، وَلِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عليها ، وَلأِنَّهَا تَدْرَأُ شَرَّ الشَّيْطَانِ ، وَمَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ . وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الأْمْرَ لِلنَّدْبِ ، وَصَرَفَهُ عَنِ الْوُجُوبِ إِجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى سُنِّيَّتِهِ " انتهى.
والراجح : أن الاستعاذة قبل قراءة القرآن سنة ، سواء في الصلاة أو خارجها ، وسواء بدأ من أول السورة أو من وسطها .
وينظر لمزيد من التفصيل جواب السؤال رقم : (74341).
ثانيا:
أما البسملة فيستحب البدء بها قبل أوائل السور ، سوى سورة براءة .
قال الإمام النووي رحمه الله : " وينبغي أن يحافظ على قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، سوى براءة ؛ فإن أكثر العلماء قالوا إنها آية حيث تكتب في المصحف ؛ وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة . فإذا قرأها كان متيقنا قراءة الختمة أو السورة ، فإذا أخل بالبسملة كان تاركا لبعض القرآن عند الأكثرين .." انتهى من "التبيان في آداب حملة القرآن" (100) .
وأما إذا قرأ من أثناء السورة : فإنه مخير بين أن يأتي بالبسملة ، أو يتركها ويكتفي بالاستعاذة فقط.
قال ابن الجزري : " يجوز في الابتداء بأوساط السور مطلقا ، سوى "براءة" : البسملة وعدمها ، لكل من القراء تخيرا.
وعلى اختيار البسملة: جمهور العراقيين ، وعلى اختيار عدمها جمهور المغاربة وأهل الأندلس " انتهى من "النشر في القراءات العشر" (1/ 265).
واختار الشيخ ابن عثيمين عدم استحباب البسملة في أواسط السور فقال رحمه الله : " الصحيح أن البسملة إذا قرأ الإنسان من أثناء السورة: لا تستحب ؛ لأن الله قال في كتابه : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل/98 ، ولم يأمر بسوى ذلك ، فما دامت المسألة فيها نص خاص بأن المطلوب ممن أراد قراءة القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، فإن هذا يخصص العام وهو قوله : ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر ) " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (1/177).
ثالثا:
ذكر بعض أئمة القراءة تأكد البسملة قبل الآيات التي تبدأ بلفظ الجلالة ونحوه ، كآية الكرسي ونحوها ، والنهي عنها قبل الآيات التي تبدأ بـ "الشيطان" ونحو ذلك .
قال ابن الجزري رحمه الله : " وقد كان الشاطبي يأمر بالبسملة بعد الاستعاذة في قوله تعالى : ( اللهُ لا إلَهَ إلا هُوَ ) ، وقوله : ( إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ) ونحوه ؛ لما في ذلك من البشاعة ، وكذا كان يفعل أبو الجود غياث بن فارس وغيره ، وهو اختيار مكي في غير " التبصرة ".
قلت [يعني ابن الجزري] : وينبغي قياسًا أن يُنهى عن البسملة في قوله تعالى : ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُم الفَقْرَ ) ، وقوله : ( لَعَنَهُ اللهُ ) ونحو ذلك، للبشاعة أيضا " انتهى من "النشر في القراءات العشر" (1/ 266).
والحاصل : أن السنة : الاستعاذة قبل قراءة القرآن عمومًا .
وأن البسملة مستحبة عند القراءة من أوائل السور .
أما حال القراءة من أواسط السور: فالقارئ مخير .
ولم نقف على شيء من السنة ، أو أقوال الصحابة رضي الله عنهم ، أو نصوص الفقهاء المتبوعين: تشهد لقول أئمة القراء السابق ذكرهم .
فمن أتى بالبسملة أو تركها ، بناء على أن القارئ مخير بين الأمرين كما تقدم: فلا حرج عليه.
ومن لحظ المعنى المشار إليه ، فاختار البسملة عند قراءة آية الكرسي، ونحوها ، مطلقا: فيرجى ألا يكون به بأس.
والله أعلم.