الحمد لله.
أولا:
خديجة بنت خويلد بن أسد الأسدية أم المؤمنين ، وسيدة نساء العالمين في زمانها ، أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول من آمن به .
وهي ممن كمل من النساء ، وكانت عاقلة ، جليلة ، دينة ، مصونة ، كريمة ، من أهل الجنة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها بعد وفاتها ويثني عليها .
وقد أمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب . أخرجه البخاري (1792) ، ومسلم (2432).
وَتوفيت بعد أَن مضى من النُّبُوَّة سبع سِنِين ، وَقيل : عشر ، وَهُوَ أصح ، قبل أَن تفرض الصَّلَاة ، وَكَانَ لَهَا يَوْمئِذٍ خمس وَسِتُّونَ سنة.
وينظر لمزيد من التفصيل عن سيرتها ومناقبها : "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/1817)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 109).
ثانيا:
لا يعرف لخديجة رضي الله عنها رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن من أهل العلم من ذكرها فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد ذكرها ابن حبان في "الثقات" (3/ 114) فيمن روى عنه صلى الله عليه وسلم .
كما ذكرها ابن الجوزي أيضا في الرواة عنه صلى الله عليه وسلم في كتابه "تلقيح فهوم أهل الأثر" (ص: 258) .
ولعلهم أرادوا بروايتها عنه صلى الله عليه وسلم ما جاء عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، مَوْلَى الزُّبَيْرِ : " أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا تُثَبِّتْهُ بِهِ ، فِيمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنْ نِبُوَّتِهِ : يَا ابْنَ عَمِّ ، هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُخْبِرَنِيَ بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إِذَا جَاءَكَ ؟
قَالَ : نَعَمْ قَالَتْ : فَإِذَا جَاءَكَ فَأَخْبِرْنِي ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا يَوْمًا ، إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا خَدِيجَةُ ، هَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ جَاءَنِي .
قَالَتْ : أَتُرَاهُ الْآنَ ؟ قَالَ : نَعَمْ
فَقَالَتْ : " فَاجْلِسْ إِلَى شِقِّي الْأَيْسَرِ " . فَجَلَسَ . فَقَالَتْ : هَلْ تَرَاهُ الْآنَ ؟
قَالَ : نَعَمْ قَالَتْ : " فَاجْلِسْ إِلَى شَقِّيَ الْأَيْمَنِ " . فَتَحَوَّلَ فَجَلَسَ . فَقَالَتْ : هَلْ تَرَاهُ الْآنَ ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَتْ : " فَتَحَوَّلَ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي " . فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ ، فَقَالَتْ هَلْ تَرَاهُ الْآنَ ؟
قَالَ : نَعَمْ ، فَتَحَسَّرَتْ ، فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا ، فَقَالَتْ : هَلْ تَرَاهُ الْآنَ ؟
قَالَ : لَا قَالَتْ : " مَا هَذَا بِشَيْطَانٍ ، إِنَّ هَذَا الْمَلَكُ يَا ابْنَ الْعَمِّ ، فَاثْبُتْ ، وَأَبْشِرْ ".
ثُمَّ آمَنَتْ بِهِ ، وَشَهِدَتْ أَنَّ الَّذِيَ جَاءَ بِهِ الْحَقُّ . انتهى .
أخرجه الآجري في "الشريعة" (5/2189)، والدولابي في "الذرية الطاهرة" (ص35)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/151).
وهذا حديث إسناده ضعيف جدا ، فهو من رواية أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي حكيم ....
وأحمد بن عبد الجبار : ضعيف الحديث .
ويونس بن بكير : صدوق يخطىء . وضعفه غير واحد من أهل الحديث ؛ فقال أبو داود : ليس بحجة ، يوصل كلام ابن إسحاق بالأحاديث . وقال النسائى : ليس بالقوى . وقال فى موضع آخر : ضعيف .
ومحمد بن إسحاق : صدوق يدلس ، وقد اختلف فى الاحتجاج به .
وإسماعيل بن أبي حكيم : لم يدرك خديجة رضي الله عنها ، ولا يعرف له سماع عن أحد من الصحابة .
وينظر : "تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/435) ، (9/45) ، (1/52) ، (1/289).
وقد ذكره الدكتور : محمد العوشن في كتابه "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية" (ص27)، بأسانيده ، وقال : " وإسناد ابن إسحاق الأول معضل ، فإسماعيل بن أبي حكيم لا يُعرف له سماع عن أحد من الصحابة ، وخديجة رضي الله عنه كانت وفاتها قبل الهجرة . وكذا إسناده الآخر ، فإن فاطمة بنت الحسين: روايتها عن جدتها فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة ، فكيف عن خديجة ؟! " انتهى.
والحاصل:
لا نعلم لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، اللهم إلا أن يكون الحديث المذكور، وهو حديث ضعيف كما تقدم بيانه .
والله أعلم.