الحمد لله.
أولا:
فإنه قد اشتهر عند كثير من الناس مقولة أن مصر لا تحرسها الملائكة . ويعنون بذلك : أن الله يحرسها ، ويورد بعض القصاص في ذلك ، أن نوحا عليه السلام عندما ركب السفينة بمن معه من المؤمنين طاف ببلدان الدنيا ، فوجد على كل بلد نفر من الملائكة يحرسونها إلا مصر ، فلما سأل ربه عن ذلك أخبره أنه تولى حراسة مصر بنفسه .
وهذه القصة ليس لها أصل ، ولم يذكرها أحد من أهل العلم بإسناد أو من غير إسناد .
غير أن السيوطي قال في "حسن المحاضرة" (1/33) :" وذكر بعض من ألف في أخبار مصر أن سفينة نوح طافت بمصر وأرضها، فبارك نوح عليه السلام فيها ". انتهى
هكذا أورده السيوطي بلا سند ، ولم يذكر أمر الحراسة .
وقد روي عن ابن عباس ، أن نوحا عليه السلام دعا لمصر بالبركة ، إلا أن إسناده ضعيف .
أخرجه ابن عبد الحكم في " فتوح مصر" (ص27) ، من طريق عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عيّاش بن عبّاس القتبانىّ ، عن حنش بن عبد الله الصنعانىّ ، عن عبد الله بن عبّاس : " أن نوحا دعا لولد ولده ، وهو مصر بن يبصر بن حام فقال :( اللهمّ إنه قد أجاب دعوتى ؛ فبارك فيه وفى ذرّيّته وأسكنه الأرض المباركة ، التى هى أمّ البلاد ، وغوث العباد ، التى نهرها أفضل أنهار الدنيا ، واجعل فيها أفضل البركات ، وسخّر له ولولده الأرض ، وذلّلها لهم ، وقوّهم عليها ) .
وإسناده ضعيف ، فيه ابن لهيعة ، وكان قد اختلط ، فحديث القدماء من أصحابه حسن ، وعثمان بن صالح ليس من قدماء أصحابه ، بل حديثه عن ابن لهيعة منكر .
فقد ذكر الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/40) فقال :" قال سعيد بن عمرو البردعى: قلت لأبي زرعة: رأيت بمصر نحوا من مائة حديث عن عثمان بن صالح ، عن ابن لهيعة ، عن عمرو بن دينار ، وعطاء ، عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: لا تكرم أخاك بما يشق عليه.
فقال: لم يكن عثمان عندي ممن يكذب ، ولكن كان يكتب مع خالد بن نجيح، فبُلوا به ، كان يملى عليهم ما لم يسمعوا من الشيخ " انتهى .
ثانيا:
وردت أحاديث لا أصل لها في معنى حراسة الله لمصر .
ومن ذلك : مِصْرُ كِنَانَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، مَا طَلَبَهَا عَدُوٌّ إِلا وَأَهْلَكَهُ اللَّهُ .
وهذا الحديث لا أصل له ، وليس له إسناد .
قال العامري في "الجد الحثيث فيما ليس بحديث" (456) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (888) :" لا أصل له ". انتهى
ومن ذلك : أهل مصر الجند الضعيف ، ما كادهم أحد إلا كفاهم اللَّه مؤونته .
وهذا عزاه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (1029) إلى ابن يونس في تاريخه ، ولم يذكر له إسنادا ، وكتاب ابن يونس مفقود ، والمطبوع منه مجمع من بطون الكتب، مما نُقل عن ابن يونس ، وليس فيه ذلك.
ومن ذلك : مصر خزائن الأرض كلها ، فمن أراد بها سوءاً قصمه الله .
وهذا عزاه ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" (1/31) إلى كعب الأحبار فقال :" وقال كعب الأحبار : في التوراة مكتوب: مصر خزائن الأرض كلها ، فمن أراد بها سوءاً قصمه الله ". انتهى
وأصح ما ورد في فضل مصر ، ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (2543) ، من حديث أبي ذَرٍّ ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا ، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ ، فَاخْرُجْ مِنْهَا .
وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم : (197677) .
ومما سبق يتبين أن ما أورده السائل ليس له أصل ، والله أعلم .