بعض الناس يصلي على العادة التي اعتادها أهل بلده، وقد يقع في أخطاء لا تصح بها عبادته، وربما ينبه إلى أن يجب عليه أن يتعلم ذلك، ولا يتعلمه، ويرد بأن رحمة الله واسعة، وأن الله كريم، ونحو ذلك؛ فما الحكم في ذلك؟
الحمد لله.
أولا:
إذا كان المسلم لا يحسن القيام بأركان الصلاة وواجباتها، ونُبِّه إلى هذا ولم يستجب؛ فإنه يعد آثما، لأن القاعدة: "أن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فإذا كانت الصلاة لا يمكن فعلها على الوجه الصحيح إلا بالتعلم، فإنه يصبح هذا التعلم من الواجبات.
قال الإمام النووي الشافعي رحمه الله تعالى:
" باب أقسام العلم الشرعي:
هي ثلاثة: الأول فرض العين ، وهو تعلم المكلف مالا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به ، ككيفية الوضوء والصلاة ونحوهما . وعليه حمل جماعات الحديث المروي في مسند أبي يعلى الموصلي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وهذا الحديث وإن لم يكن ثابتا فمعناه صحيح... " انتهى. "المجموع" (1 / 24).
وقال ابن عابدين الحنفي رحمه الله تعالى:
" قال العلامي في فصوله: من فرائض الإسلام: تعلمه ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه، وإخلاص عمله لله تعالى، ومعاشرة عباده، وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد تعلمه علم الدين والهداية؛ تعلم علم الوضوء والغسل والصلاة والصوم، وعلم الزكاة لمن له نصاب، والحج لمن وجب عليه، والبيوع على التجار، ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات.
وكذا أهل الحرف، وكل من اشتغل بشيء؛ يفرض عليه علمه، وحكمه، ليمتنع عن الحرام فيه. " انتهى. "حاشية ابن عابدين" (1 / 125 - 126).
وقال ابن مفلح رحمه الله تعالى:
" وقال أحمد - بن حنبل - في رواية أحمد بن الحسين ، وقيل له: طلب العلم فريضة؟
قال: نعم. لأمر دينك، وما تحتاج إليه من أن ينبغي أن تعلمه.
وقال في رواية أبي الحارث: يجب عليه أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه، ولا يفرط في ذلك. قلت: فكل العلم يقوم به دينه؟
قال: الفرض الذي يجب عليه في نفسه؛ لا بد له من طلبه.
قلت: مثل أي شيء؟
قال: الذي لا يسعه جهله: صلاته، وصيامه، ونحو ذلك.
وقال عبد الله -ابن الإمام أحمد- : سألت أبي عن الرجل يجب عليه طلب العلم؟
قال: أما ما يقيم به دينه من الصلاة والزكاة ، وذكر شرائع الإسلام ، فقال: ينبغي أن يتعلم ذلك " انتهى. "الآداب الشرعية" (2 / 35).
والحاصل؛ أن هذه المسألة محل اتفاق بين أهل العلم.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصة نفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية، إذا قام به قائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع. واختلفوا في تلخيص ذلك.
والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك: ما لا يسع الإنسان جهله، من جملة الفرائض المفترضة عليه؛ نحو الشهادة باللسان والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له، ولا شبه له، ولا مثل له، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، خالق كل شيء وإليه يرجع كل شيء...
وأن الصلوات الخمس فريضة، ويلزمه من علمها علم ما لا تتم إلا به، من طهارتها وسائر أحكامها.
وأن صوم رمضان فرض، ويلزمه علم ما يفسد صومه، وما لا يتم إلا به.
وإن كان ذا مال، وقدرة على الحج : لزمه فرضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة، ومتى تجب وفي كم تجب ... " انتهى. "جامع بيان العلم وفضله" (1 / 56 - 58).
وبناء على هذا إذا وجد المسلم من يستفسره عن واجبات دينه، لكي يقوم بها بطريقة صحيحة؛ فإنه يجب عليه السؤال والتعلم، فإن ترك ذلك تكاسلا أو اشتغالا بدنياه أثم.
وسواء في ذلك أمكنه سؤاله مباشرة، إن كان في بلده من عنده علم بذلك يبذله له، أو عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، أو بالقراءة في الكتب، إن كان يحسن قراءتها والتعلم منها ، ولم يكن عنده من يستفتيه من أهل العلم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" المتمكن من السؤال وطلب الهداية، ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته، ولذته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد، آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات " انتهى. "الطرق الحكمية" (1 / 465).
ثانياً:
الاحتجاج بسعة رحمة الله تعالى وعفوه، على التكاسل في ترك تعلم الواجبات، هو طريق من طرق الشيطان المريد في إضلال العبيد، وصرفهم عما يلزمهم وما يجب عليهم، ووسوسة من الشيطان لصد الناس عن طريق الهدى.
فالله سبحانه وتعالى أمر عباده بأن يخشوه ويرجوه معا، ولا يكتفوا بجانب واحد فيضلوا.
قال الله تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ الحجر /49 - 50.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" فقال: ( نَبِّئْ عِبَادِي ) أي: أخبرهم خبرا جازما مؤيدا بالأدلة، ( أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ؛ فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته، ومغفرته ، سَعَوا في الأسباب الموصلة لهم إلى رحمته ، وأقلعوا عن الذنوب وتابوا منها، لينالوا مغفرته.
ومع هذا ؛ فلا ينبغي أن يتمادى بهم الرجاء إلى حال الأمن والإدلال، فنبئهم ( وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ ) أي: لا عذاب في الحقيقة إلا عذاب الله الذي لا يقادر قدره، ولا يبلغ كنهه، نعوذ به من عذابه، فإنهم إذا عرفوا أنه ( لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ، وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) حذروا، وأبعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب.
فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائما بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة، فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه، أحدث له ذلك الرجاء والرغبة، وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه، أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 432).
فعلى المصلى ألا يكتفي في صلاته بالنظر إلى سعة رحمه الله تعالى ، بل عليه أن يضم إلى ذلك الخوف من عدم قبولها ، حتى يسعى في تحقيقها على الوجه الكامل ، فتثمر ثمراتها من الأجر العظيم ، وتقوية الإيمان وتحقيق التقوى.
روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (3 / 134)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي سِتِّينَ سَنَةً مَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ، لَعَلَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَلَا يُتِمُّ السُّجُودَ، وَيُتِمُّ السُّجُودَ وَلَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ ، وحسنه محقق "المصنف".
ثالثا:
كما أُمر الجاهل أن يتعلم، فقد أُمر أهل العلم أن يبينوا وينشروا ما عندهم من العلم؛ فلذا على الأئمة عندكم أن يستثمروا بعض خطب الجمعة، وبعض مناسبات اجتماع الناس في تعليم الناس ما يحتاجونه من أمر دينهم ، وشرح معاني سورة الفاتحة وقصار السور والأذكار المشروعة في الصلاة، والتنبيه على صفة الصلاة الصحيحة، ونحو ذلك مما يحتاجه الناس في أمر دينهم، بحسب حالهم، وواقع أمرهم.
وللفائدة ففي كتاب "الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة" للشيخ سعيد بن وهف القحطاني، باب "فهم وتدبُّر معاني أقوال الصلاة"، قام فيه الشيخ بتبسيط معاني أذكار الصلاة.
والله أعلم.