الحمد لله.
اتفق أهل العلم على وجوب العدل في القسمة بين الزوجات.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى:
" وأجمعوا أن العدل في القسمة بين الزوجات واجب.
واختلفوا في كيفية العدل، إلا أنهم اتفقوا في المساواة بين الليالي في الحرائر المسلمات العاقلات غير الناشزات؛ ما لم يكن فيهن متزوجة مبتدأة البناء " انتهى من "مراتب الإجماع" (ص 65).
وعمدة القسم الليل لكن يتبعه النهار ويدخل في القسمة.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (33 / 193):
" الأصل في القسم وعماده الليل، وذلك باتفاق الفقهاء؛ لأنهم قالوا: التسوية الواجبة في القسم تكون في البيتوتة؛ ولأن الليل للسكن والإيواء، يأوي فيه الرجل إلى منزله، ويسكن إلى أهله، وينام في فراشه مع زوجته عادة...
والنهار يدخل في القسم تبعا لليل، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي )، وإنما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نهارا، ويتبع اليوم الليلة الماضية أي التي سبقت ذلك اليوم، وإن أحب الزوج أن يجعل النهار في القسم لزوجاته مضافا إلى الليل الذي بعده جاز له ذلك؛ لأنه لا يتفاوت، والغرض العدل بين الزوجات وهو حاصل بذلك " انتهى.
فلا يجوز له الدخول ليلا إلى بيت غير صاحبة النوبة؛ إلا لضرورة، كمرضها مرضا شديدا.
وأما الدخول نهارا: فإنه جائر، لكن لا يجوز له أن يجامع غير صاحبة النوبة فيه.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (33 / 195 – 196):
" اتفق الفقهاء على أن من له أكثر من زوجة عليه أن يوفي كل واحدة منهن قسمها، دون نقص أو تأخير، لأن هذا من العدل الواجب عليه في القسم بينهن، ولكنهم اختلفوا في خروج الزوج في نوبة إحدى زوجاته - ليلا أو نهارا - ودخوله على غيرها كذلك ليلا أو نهارا، ولهم في ذلك تفصيل على النحو التالي:
قال الشافعية والحنابلة: ...
وليس لهذا الزوج دخول في نوبة زوجة على غيرها ليلا، لما فيه من إبطال حق صاحبة النوبة، إلا لضرورة كمرضها المخوف...
وإن دخل الزوج في نوبة إحدى زوجاته على غيرها نهارا، فإنه يجوز لحاجة؛ لأنه يُتسامح فيه ما لا يتسامح في الليل، فيدخل لوضع متاع ونحوه كتسليم نفقة وتعرف خبر وعيادة. . لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها )، فإذا دخل لشيء من ذلك لم يطل مكثه عن قدر الحاجة ولم يجامع " انتهى.
وقال ابن عابدين رحمه الله تعالى:
" قال في الفتح: لا نعلم خلافا في أن العدل الواجب في البيتوتة والتأنيس في اليوم والليلة، وليس المراد أن يضبط زمان النهار، فبقدر ما عاشر فيه إحداهما يعاشر الأخرى، بل ذلك في البيتوتة وأما النهار ففي الجملة اهـ.
يعني لو مكث عند واحدة أكثر النهار كفاه أن يمكث عند الثانية ولو أقل منه، بخلافه في الليل. نهر.
( قوله: ولا يجامعها في غير نوبتها) أي ولو نهارا. ط. " انتهى من "الدر المختار" (4/ 386).
وجاء في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (3/540) في الفقه المالكي:
" (ولا يدخل) أي يحرم أن يدخل الزوج (على ضرتها في يومها) في كل حال ( إلا) دخوله على ضرتها في يومها (لحاجة) غير الاستمتاع، كأخذ ثوب ونحوه فيجوز، ولو أمكنته الاستنابة فيها، على الأشبه بالمذهب. ولمالك - رضي الله عنه - شرط عسر الاستنابة فيها " انتهى.
والحائض داخلة في هذه الأحكام، فلا يسقط حقها في القسمة بسبب الحيض.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" ويقسم للمريضة، والرتقاء، والحائض...
وكلهن سواء في القسم. وبذلك قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم. وكذلك التي ظاهر منها؛ لأن القصد الإيواء والسكن والأنس، وهو حاصل لهن " انتهى من "المغني" (10 / 236 - 237).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" قوله: ( ويقسم لحائض ) أي: إذا كان له زوجتان فحاضت إحداهما، يقول المؤلف: إنه يجب أن يقسم لها.
فإن قال: الحائض لا أستمتع بها بكل ما أريد؟
نقول: لكن الإيناس، والاجتماع، وأن لا ترى الزوجةَ الأخرى متفوقةً عليها، هذا واجب " انتهى من "الشرح الممتع" (12/430).
وإن رغب في الاستمتاع؛ فإنه يجوز له أن يستمتع بزوجته الحائض في نوبتها لكن من غير جماع في الفرج، كما دلت على هذا الأحاديث الصحيحة.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ( كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا، أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ ) رواه البخاري (302)، ومسلم (293).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره، فلا يُخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره ممن ليس بمعصوم، وبهذا قال أكثر العلماء، وهو الجاري على قاعدة المالكية في باب سد الذرائع.
وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره بن المنذر، وقال النووي: هو الأرجح دليلا؛ لحديث أنس في مسلم: ( اصنعوا كل شيء إلا الجماع )، وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعا بين الأدلة...
ويدل على الجواز أيضا ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ). " انتهى من "فتح الباري" (1/404).
فالحاصل؛ أن الحائض لها على زوجها حق العدل في القسمة فلا يجامع ضرتها في نوبتها؛ إلا أن تأذن هي بذلك؛ لأنه حقها يجوز لها إسقاطه، وله أن يستمتع بزوجته الحائض في نوبتها لكن بغير جماع.
والله أعلم.