الحمد لله.
القصة المذكورة ؛ لا أصل لها ، ولا توجد في كتب السيرة والتراجم ، ولا في كتب التاريخ ، المسندة وغير المسندة ، فضلًا عن عدم وجودها في كتب السنة المشهورة - على حد بحثنا -.
وإنما ذكرها بعض الأدباء في كتبهم ؛ كأبي سعد الآبي في "نثر الدر" (1/225)، وابن حمدون البغدادي في "التذكرة الحمدونية" (3/396)، والأبشيهي في "المستطرف" (ص:142) ، فقالوا :
" لما قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة صعد الْمِنْبَر ، ونال من عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ، فَقَامَ الْحسن فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ : إِن الله لم يبْعَث نَبيا إِلَّا جعل لَهُ عدوا من الْمُجْرمين ، فَأَنا ابْن عَليّ ، وَأَنت ابْن صَخْر ، وأمك هِنْد وَأمي فَاطِمَة ، وَجَدْتُك قتيلة ، وجدتي خَدِيجَة . فلعن الله ألأمنا حسبًا وأخملنا ذكرا ، وأعظمنا كفرا ، وأشدنا نفَاقًا . فصاح أهل الْمَسْجِد : آمين ، آمين ، وَقطع مُعَاوِيَة خطبَته وَنزل وَدخل منزله . وَدخل إِلَى مُعَاوِيَة وَهُوَ مُضْطَجع ، فَقعدَ عِنْد رجله ، فَقَالَ مُعَاوِيَة : أَلا أطرفك ؟ بَلغنِي أَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة تَقول : إِن مُعَاوِيَة لَا يصلح للخلافة . فَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ : وأعجب من ذَلِك قعودي عِنْد رجلك ، فَقَامَ مُعَاوِيَة وَاعْتذر إِلَيْهِ" انتهى.
وهي قصة لا زمام لها ولا خطام ، ولا أصل لها في كتب السير والأخبار، فضلًا عما فيها مما لا يليق بهذين الصحابيين الجليلين رضي الله عنهما ؛ ولذلك لم يذكرها إلا الأدباء ، فيما يذكرون من الطرف والنوادر، من غير بحث في تحقيقها وتدقيقها.
ومثل هذه الأخبار والآثار: لا يحل أن تؤخذ من كتب الأدب والبلاغة، ولا أن يعتمد على هذه الكتب في مثل ذلك، لما فيها من عظيم القول في شأن السلف، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فمثل هذا مما يجب صون اللسان عنه ، ولا يتكلم فيه العاقل إلا بما ثبت ثبوتا لا مرية فيه، ثم يمسك لسانه عما لا فائدة منه ، إلا الجرأة على مقام السلف، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، رضوان الله عليهم جميعا.
والله أعلم.