هل للمرأة الخيار في ترك الزواج مطلقًا؟

22-06-2023

السؤال 305167

أنا على تواصل مع بعض الأصدقاء الأجانب، والغير مسلمين، فبعثت لأحدهم رسالة حول مكانة المرأة في الإسلام، ولكنه رد علي بعدة أسئلة: "- عندما تولد البنت المسلمة تصبح سببًا لدخول والدها الجنة. - عندما تكبر وتتزوج رجلاً، فإنها تكمل النصف الآخر من دينه. - عندما تصبح أمّا فإن الجنة ستكون تحت قدميها. وهذه الأسئلة التي سألني إياها صديقي الأجنبي: أشعر بالأسف للآباء الذين ليس لديهم بنات، ولماذا يجب أن وجود الفتاة أو الولد يحدث فرقا؟ لماذا هي بحاجة للزواج؟ ماذا لو لم تكن تريد الزواج؟ لماذا تتحمل مسؤولية إكمال نصف دين الرجل؟ ماذا لو كانت لا تريد أو لا تستطيع أن تنجب أطفالا؟ أنا متأكد من أن لديك نوايا حسنة، لكن هذا يثير الكثير من الأسئلة لديّ، بالنسبة لي، الجميع مسؤول عن نفسه، بغض النظر عن جنسه".

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

الزواج سنة من سنن الأنبياء، وهو نظام اجتماعي مشترك بين البشر جميعًا على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم، وسبب اشتراكه هذا هو أنه فطرة الله التي فطر الناس عليها.

يقول تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الروم/21.

والمقصود بإكمال الزواج لنصف الدين: ليس أن الزوجة تتحمل مسؤولية إكمال نصف دين الزوج، ولكن المقصود أنها تعينه، وهو يعينها. ولذلك ورد الخبر في ذلك بلفظ الإكمال، وبلفظ الإعانة.

فقد روى الحاكم في المستدرك عن أنس مرفوعاً: "من رزقه الله امرأةً صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الباقي".

 قال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1916): حسن لغيره.

ولا شك أن الناس يعين بعضهم بعضًا، فكل فعل يفعله الإنسان يعود عليه بالنفع، كما أنه يمكن أن يعود على غيره بالنفع، والمنافع المشتركة هي التي يقوم عليها صلاح العالم كله، ولا يقول أحد: لِم أنفع غيري، أو يقول إن نفعه لغيره يعد تحملًا لمسؤولية الغير بدلًا منه، كل هذا ليس صحيحًا.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وما أكثر الناس الذين تقاربوا، وحصل بينهم صلات كثيرة بسبب المصاهرة؛ فالذي أشير به على هذه المرأة أن تتزوج، وأن لا تجعل من مثل هذه الأعذار عائقاً دون زواجها، وستجد إن شاء الله تعالى خيراً كثيراً في تزوجها ..

الناس بعضهم لبعض، يأمر بعضهم بعضاً ويعين بعضهم بعضاً ويمنع بعضهم بعضاً؛ فالإنسان ينبغي له أن يصبر وأن يتكيف مع الحياة كيفما كانت؛ إلا في الأمور التي فيها معصية الله ورسوله، فإن هذا لا يمكن لأحد أن يرضى به" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (10/14).

إن الزواج والأسرة والأولاد، كل ذلك مما يساعد الإنسان على تحقيق العبودية، ويضفي معنى على الحياة لا يضفيه غيره، وهذا هو الذي يجعل الناس على اختلاف ثقافاتهم يُقبلون على إنشاء الأسر والعائلات، إلا الندرة القليلة.

ثانيًا:

من أراد ألا يتزوج، أو أرادت ألا تتزوج، تظن هذا بابًا من الخير يحبه الله؛ فهذه رغبة عن سنة الله ورغبة عن سنة رسول الله، وابتداع في الدين.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جَاءَ ثَلاثُ رَهطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَسأَلُونَ عَن عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أُخبِرُوا كَأَنَّهُم تَقَالُّوهَا، فَقَالوا: أَينَ نَحنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ؟ قَد غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ أَحَدُهُم: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي الَّليلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهرَ وَلا أُفطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا!!

فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:  أَنتُمُ الَّذِينَ قلُتُم كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخشَاكُم للَّهِ، وَأَتقَاكُم لَه، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي  رواه البخاري (5063)، ومسلم (1401).

وأما من اختارت لنفسها عدم الزواج كخيار شخصي مباح، ولا مفسدة عليها في دينها ولا فتنة تخشاها؛ فهذا الاختيار غير مستحب؛ لكنه أيضا ليس حرامًا.

يقول الشيخ ابن عثيمين: "تأخير الزواج للرجل إذا كان قادرا قدرة مالية وبدنية: مخالف لتوجيه الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".

واختلف العلماء رحمهم الله في الشاب الذي له شهوة وقدرة على النكاح، هل يأثم في تأخيره أو لا يأثم؟ فمنهم من قال إنه يأثم، لأن الأمر فيه للوجوب وتأخير الواجب محرم. ومنهم من قال إنه لا يأثم، لأن الأمر فيه للإرشاد؛ إلا أن يخاف الزنا بتركه فحينئذٍ يجب عليه، درءاً لهذه المفسدة". انتهى، من "فتاوى نور على الدرب" (10/8).

ويُرجى مراجعة هذا الجواب: (82968)، وهذا الجواب: (134953).

والله أعلم.

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب