حول لي صديقي مبلغاً على حسابي البنكي، فأعدته له، وأرسلت له رسالة واتس آب نصها: "بالله عليك لا تحول شيء " ؛ حتى أمنعهُ من التحويل، ولكنه عاد وحول. سؤالي: هل مجرد قصد منعه من فعل الشيء تعتبر نية أي يميناً معقّداً ؟ أم يشترط أن يستحضر في قلبه عند كتابتها أنها أيمان ؟
الحمد لله.
أولا:
قول الإنسان لغيره: بالله لا تفعل كذا، أو لتفعلنّ كذا، قاصدا التلفظ بالقسم: يمين منعقدة.
قال في الإنصاف (11/ 34): " لو قال " بالله لتفعلن كذا " فيمين على الصحيح من المذهب. وقال في المغني، والشرح: هي يمين، إلا أن ينوي. و (أسألك بالله لتفعلن) يعمل بنيته" انتهى.
والجملة الثانية وهي "أسألك بالله لتفعلن" تحتمل اليمين، وتحمل الاستشفاع بالله، وهو منهي عنه، لكن لا كفارة فيه إذا لم يجبه صاحبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وَأَمَّا قَوْلُهُ : " سَأَلْتُك بِاَللَّهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا " ، فَهَذَا سُؤَالٌ وَلَيْسَ بِقَسَمِ ، وَفِي الْحَدِيثِ : ( مَنْ سَأَلَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ ) ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى هَذَا ، إذَا لَمْ يُجَبْ سُؤَالُهُ " .انتهى من " مجموع الفتاوى " (1/206).
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (153727) في حكم إجابة من سأل بالله .
وأما الجملة الأولى وهي "بالله لا تفعل" ، وهي الموافقة لما صدر منك، فهي يمين، وتجب فيها الكفارة عند الحنث.
واختار ابن قدامة في المغني أنها يمين ، إلا إن نوى ما يصرفها عن اليمين ، كنية الاستشفاع والسؤال بالله.
ثانيا:
من قصد التلفظ بالقسم، على أمر مستقبل، فقد أتى باليمين المنعقدة، ولو لم يستحضر أنها يمين، فإن سبق اليمين على لسانه من غير قصد لقولها، فهو لغو.
قال في "الإنصاف" (11/ 15): " اليمين منعقدة، وهي اليمين التي يمكن فيها البر والحنث، وذلك: الحلف على مستقبل ممكن" انتهى.
وقال في (11/ 20): " (وإن سبقت اليمين على لسانه من غير قصد إليها كقوله) : (لا والله) و (بلى والله) في عُرض حديثه (: فلا كفارة عليه)" انتهى.
ثالثا:
كان على صديقك أن يبر قسمك، وحيث إنه لم يفعل، فتلزمك كفارة يمين.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/ 535): "فإن قال: والله ليفعلنّ فلان كذا، أو لا يفعل. أو حلف على حاضر، فقال: والله لتفعلن كذا. فأحنثه، ولم يفعل، فالكفارة على الحالف.
كذا قال ابن عمر، وأهل المدينة، وعطاء، وقتادة، والأوزاعي، وأهل العراق، والشافعي؛ لأن الحالف هو الحانث، فكانت الكفارة عليه، كما لو كان هو الفاعل لما يحنثه، ولأن سبب الكفارة إما اليمين، وإما الحنث، أو هما، وأي ذلك قدر فهو موجود في الحالف" انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" .. حلفت على واحد وقلت : والله لن تذبح الذبيحة ، ولكنه لم يطع كلامي وذبحها وأكلت منها ، فهل علي إثم ، وهل هناك كفارة ، وإذا كان هناك كفارة ، أفيدوني بها ؟
فأجابوا : "إذا كان الواقع كما ذكرت ، فلا إثم عليك في الأكل منها ، وعليك كفارة يمين ، وهي : إطعام عشرة مساكين من جنس ما تَطْعَمُه ، أو كسوتهم ، أو عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم تستطع فصم ثلاثة أيام .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/85) .
والله أعلم.